أوقفوا الحرب، أوقفوا التمييز

حبس العالم أنفاسه بمجرد أن تناقلت شاشات القنوات الإخبارية عن سيناريو روسي محتمل لاجتياح أوكرانيا، واستمرت التغطية الإخبارية على مدار الساعة دون انقطاع، هذا يُهدد وذاك يتوعد حتى حانت ساعة الصفر وما كان سيناريو بات واقعاً، ضربات جوية وهجمات برية، إنزال جوي وآخر بحري، صواريخ بالستية كلها استهدفت أوكرانيا في مشهد يُعيد للذاكرة ما فعلته آلة الحرب الروسية في سوريا وما فعلته آلة الحرب الإسرائيلية في غزة، تدفق اللاجئين عبر المعابر الحدودية لأوكرانيا مع دول الجوار في مشهد يُشابه تدفق اللاجئين السوريين عبر حدود تركيا ولبنان، وآخرون فروا نازحين من مدن القتال لمدن يعتقدون أنها أكثر أمنا في مشهد يذكرني بما حدث بنزوح أهالي الشجاعية عام 2014 إلى مدارس الأونروا بحثا عن ملجأ آمن.

إذا الفعل واحد والأبرياء هم الضحايا، والأصل أن الأوكراني كالسوري كالفلسطيني كالليبي كالأفغاني كالأفريقي فلماذا اختلفت ردة الفعل! وفضحت المواقف أكذوبة أخلاقيات الغرب والمثاليات الخاصة بعدم التمييز المبني على العرق والدين والجنس واللون.

فعلى حدود بولندا فيما يٌسمح للأوكرانيين الهاربين من جحيم القصف الروسي بالعبور وتوفير ما يلزمهم يُمنع العرب والأفارقة والهنود ويُتركون عُرضة للموت برداً وجوعاً، فيما يتم توفير الطعام والشراب واللجوء المباشر للأوكرانيين فلماذا التمييز وكل من هرب يطلب النجاة بحياته أم أن حياة العيون الزرقاء والبشرة البيضاء أغلى وأهم من أصحاب البشرة الداكنة والعيون السوداء والبنية.

الفيفا التي تُعاقب كل من يتجرأ على رفع إشارات أو كلمات تدل على تأييد غزة بدعوى الحياد وعدم الانحياز وفصل السياسة عن الرياضة حظرت المنتخب الروسي من المنافسات الدولية وأخرجته من التصفيات المؤهلة لمونديال 2022، فلِماذا لم تقم الفيفا بذلك حين كان السوريين تحت نيران الطيران الروسي والقتلى بالآلاف، ولما لم تحظر المنتخب الإسرائيلي الذي قام جيشه بأكثر من عدوان ضد غزة وارتكب جرائم حرب وما زال جيشه يقتل كل يوم الأبرياء على حواجز الضفة الغربية والقدس.

شبكات التواصل الاجتماعي ومنها تويتر وفيس بوك وضعت شارات على الشخصيات الروسية وحدّت من تداول روايتهم فيما تقوم بتعزيز الرواية الأوكرانية، فيما تقوم بمحاربة المحتوى الفلسطيني لمجرد صورة أو منشور بدعوى أنه يحض على الكراهية والعنف فما هو تعريف العنف وما هو تعريف الكراهية؟

شبكات التلفزة والقنوات الإخبارية تتناقل بفخر وبإعجاب شديد مقاومة شعب أوكرانيا للمحتل الروسي وتنشر أخبار تسليح المدنيين وتعلم صناعة المولوتوف بل وصنعت من جندي أوكراني قام بتفجير نفسه بطلاً، نعم صحيح ما قرأت فجّر نفسه فأشادوا ببطولته ودفاعة عن بلده، فلماذا تصف نفس القنوات الإخبارية ذات الفعل إذا ما قام به العرب والمسلمين بالإرهاب؟ ألا يحق للفلسطيني مثلا أن يقاوم محتلاً جاثما على أرضه منذ العام 1948.

الرئيس الأوكراني الذي انتحب وتضامن مع إسرائيل بتاريخ 12 مايو 2021 بسبب الهجمات الصاروخية الفلسطينية والتي جاءت رداً على قصف إسرائيلي مُركّز على مراكز مدنية في مدينة غزة خلف العشرات من الضحايا والدمار الكبير، جاء اليوم الذي يُطالب فيه شعبه المقاومة ويقصف مدن روسية رداً على الاحتلال الروسي ويعلن تجنيد الأجانب للدفاع عن أوكرانيا تحت مسمى الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي لأوكرانيا لتقوم وزيرة خارجية بريطانيا ليز تراس بإعادة التغريدة في تأييد لهذه الخطوة، فلتذكرني وزيرة الخارجية بما تنعت به من يقاوم المحتل في الشرق الأوسط ألا تجرمهم وتعتبرهم إرهابيون؟ بل ماذا ستقول لو أن المقاتلين العرب تدفقوا باتجاه فلسطين لتحريرها من المحتل ونصرة شعبها؟

أعلنت أوروبا وأمريكا بشكل قاطع وواضح دعم أوكرانيا بالسلاح والمال لتمكين جيشها من التصدي للغزو الروسي فيما تقوم نفس الدول بتجفيف المنابع الإنسانية منها قبل العسكرية إرضاء للمحتل الإسرائيلي ومحاصرة لشعب ذنبه أنه لا يقبل الظلم ولا ينام على ضيم ولا تُكسر له إرادة وحريته مُقدمة على رغيف خبزه، ويُجرم كل من يحاول العمل على نُصرة المستضعفين في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا تحت ذريعة محاربة الإرهاب وقوانين الامتثال.

فإذا ما اتفقنا أن مقاومة المحتل مشروعة فكما لأوكرانيا الحق في مقارعة المحتل الروسي، لفلسطين أيضاً الحق في مقارعة المحتل الإسرائيلي ودحره عن أرضها وللسوري والليبي والأفغاني والأفريقي حق الدفاع عن بلدانهم، ومن مسؤولية المجتمع الدولي مدهم بالمال والسلاح كما يفعل مع أوكرانيا فليس من حق أوروبا ولا أمريكا أن تُجرم مقاومة المحتل في جغرافيا وتقوم بدعمه في جغرافيا أخرى.

في مشهد مقزز وبعيداً عن المهنية وتجاوز لكل مبادئ حقوق الإنسان تساقط العديد من الإعلاميين الغربيين في وصفهم ونقلهم للأحداث ومقارنتهم بشكل فظ بين اللاجئين الفارين من أوكرانيا ووصفهم بالعيون الزرقاء والبشرة البيضاء وبين اللاجئين السوريين والأفغان والفلسطينيين، وبين الحرب في أوكرانيا – البلد الأوروبي – وبين الحرب في العراق وأفغانستان وكأنّ حياة الأوروبيين درجة أولى وأثمن من غيرها وكأن الدماء في عروقهم ليست كالدماء في عروقنا نحن العرب.

الحرب مجنونة ملعونة، تحصد أرواح الأبرياء وتُدمر ما بقي من إنسانية، وما كنت أرغب في عقد المقارنات احتراماً للدم النازف، فلا فرق عندنا بين عربي وأعجمي كما هم يُفرقون، إلا أن مشاهد التمييز بين اللاجئين والتي أقرت به مفوضية الأمم المتحدة للاجئين وموقف الإعلاميين والفيفا وهذا الاصطفاف الكبير مع أوكرانيا عسكرياً ومالياً واعلامياً وانسانياً يجعلك لا تستطيع أن تمرر هكذا مواقف دون وضع النقاط على الحروف، فمترجم ال CNN والذي بكى أثناء ترجمته لخطاب رئيس أوكرانيا عن ضحايا الأطفال نتيجة القصف الروسي يُتداول موقفه بشكل مؤثر فيما فُصل العديد من الإعلاميين وتراجع بعضهم عن تصريحات لهم تُدين المذابح الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

لا نريد أن نرى حرب في أوروبا ونتمنى أن يتوقف شلال الدم وتُحفظ أرواح ودماء أصحاب العيون الزرقاء والبشرة البيضاء، ولهم مطلق الحرية في الدفاع عن أرضهم إلا أن عليهم أن يتذكروا بأن كما لهم الحق لنا الحق في الدفاع عن أرضنا ووطننا، وأطفالنا ودمائنا وأرواحنا ليست بأقل من أطفالهم ودمائهم وأرواحهم.

وعليهم أن يتذكروا حين كانوا يعيشون في ظلام أوروبا كان منا المهندس والطبيب والكيميائي والمدرس ونحن من نقلنا العلم والطب لأوروبا حين كانت تأكلها نيران الحروب الداخلية وحروب القبائل.

وسوم: العدد 970