منع الوزارة الوصية على الشأن الديني الخطباء من التصرف في خطب توافيهم بها

منع الوزارة الوصية على الشأن الديني الخطباء من التصرف في خطب توافيهم بها  في بعض المناسبات فرض للوصاية عليهم وتعطيل لاجتهادهم وإبداعهم

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مذكرة صادرة عن الوزارة الوصية على الشأن الديني أرفقت بخطبة وافت بها الخطباء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ، و قد تضمنت تلك عبارة  تمنعهم من التصرف  فيها . ولقد كانت هذه  الوزارة فيما مضى ، ولا زالت لا تقبل من الخطباء الإشارة إلى أن الخطب التي توافيهم بها  هي واردة عليهم منها ، وهذا يعني أنها غير واثقة في رضى الناس عنها مع لأنهم يميزون بينها وبين غيرها مما يعتادون عليه من أساليب من يخطبونهم .

وحرص هذه الوزارة على عدم تصرف الخطباء  في الخطبة  التي وافتهم بها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة ، هو توجسها من  هذا التصرف الذي من شأنه أن يدين ما يدعو إليه لوبي الإباحية والتهتك والانحلال الخلقي من دعوات لما يسمى بحرية الجنس أو العلاقة الرضائية والمثلية ، وهي دعوات تزداد وتيرتها كلما حل الثامن من شهر مارس عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وهو ما يثير سخط المجتمع المغربي المسلم المحافظ ، وينتظر من منابر الجمعة أن ترد عليه بما يسفهه ويدينه إلا أن الوزارة الوصية حاولت تكميم أفواه الخطباء بعبارة منع التصرف في الخطبة التي اكتفت بذكر مكانة المرأة في الإسلام ، وهو أمر يعرفه المواطنون جيدا ، ولا يخفى عليهم ، وهم ينتظرون  من منابر الجمعة النهي عن منكر الدعوات الإباحية التي تسوءهم كلما حلت مناسبة اليوم العالمي للمرأة .

ومعلوم أن خطباء الجمعة تتفاوت مستوياتهم العلمية فمنهم علماء متخصصون في  مختلف علوم الدين ، ومهم أساتذة جامعيون ، ومفتشون تربويون ، وأساتذة  في مختلف أسلاك التعليم ، وموظفون في قطاعات أخرى ، وأئمة مساجد من حفظة كتاب الله عز وجل . وعندما تقيد الوزارة الوصية كل هؤلاء على اختلاف مستوياتهم العلمية  بخطبها وتمنعهم من التصرف فيها ،فهي  تضعهم في مرتبة واحدة  أو سلة واحدة دون مراعاة الفوارق بينهم الشيء الذي لا يستساغ لا منطقا  ولاعقلا ، ولا واقع حال . ولو أجرت هذه الوزارة تجربة ، وطلبت من هذه الفئات المختلفة خطبة في موضوع مكانة المرأة في الإسلام لتغطية مناسبة الثامن من مارس لوافاها الخطباء على اختلاف مستوياتهم العلمية والإبداعية  بما تجود به قرائحهم كل حسب اجتهاده  وهومما يفوق بكثير مما توافيهم به من خطب  تنعتها بالمنبرية ، وكأن غيرها ليس منبريا  ، مع أن كل إناء ينضح بما فيه، وليس اللسن الفصيح الضابط لعلوم العربية كمن يتهجى حروفها وكلماتها،  ولا يستقيم لسانه بضبط قواعدها  وأساليبها ، وليس المتفنن في أساليبها كالذي يعوزه ذلك الاتقان، علما بأن الخطابة  هي أرقى الفنون الأدبية خصوصا الخطابة الدينية  نظرا لقدسية الدين وهي تخاطب العقل والوجدان  معا ، وقد  تكون الخطبة الراقية  الأسلوب عادية  في مضمونها لكن أشد  تأثيرا في النفوس من غيرها ، وفضلا عن هذا وذاك لا بد فيها  من إخلاص لله تعالى، وصدق في القول ،لأن ما خرج من القلب وقر في القلب ، وما خرج من اللسان لم يتعد الآذان .

وعندما تعمم الوزارة خطبها في بعض المناسبات ، فهي كأنها تدعي بلوغ  قمة الجودة  في الخطابة مع أنها في الغالب  تكون دون المستوى ، ودون ما تقتضيه المناسبات ، وقد  يستثقلها الناس ، ولا يخفون امتعاضهم منها  بمجرد خروجهم من المساجد عند بواباتها ،وربما صارت موضوع تندرهم  وهم على موائد  الكسكس  بعد صلاة الجمعة  ، ومنهم من يتحاشى حضورها  ، ويحرص على حضور الصلاة فقط حتى لا يأثم بالتخلف عن الجمعة ، وهذا واقع لا يمكن أن تنفيه الوزارة الوصية أو تنكره .

ولا شك أن وزيرا ليس أمر الدين من اختصاصه كما صرح هو نفسه بعظمة لسانه في محاضرة مصورة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي قد طغى عليه تخصص في مادة التاريخ ، فصار يدبر الشأن الديني تدبير المؤرخ  الذي شأنه إما  إدانة الأحداث أو الإشادة بها  ، وهو ما جعله يتعامل مع من يسميهم القيّمين الدينين  والخطباء منهم بمنهج المؤرخ ، وقد غلبت عنده اتهامهم و إدانتهم على  تزكيتهم خصوصا  منهم فئة رجال التربية ، وقد أوقف منهم بطريقة  متعسفة ومستبدة وجائرة لأتفه الأسباب عددا لا يستهان به مع أنه منهم ، دون أن يكلف نفسه  لغرور يركبه عرضهم على أهل العلم بالشأن الديني  للفصل فيما يتهمهم به وكله من سوء الظن المنهي عنه شرعا . وسوء الظن هذا الغالب عليه هو الذي يزيده إمعانا في التسلط والطغيان ، وهو ما تعكسه مذكراته التي لا تخلو من عبارات الوعيد والتهديد من قبيل عبارة منع التصرف فيما يوافي به الخطباء من خطب تكون في الغالب في حاجة إلى ملح حتى لا تمجها الأذواق ، وتأنف منه النفوس، وتنكرها العقول . وإن معالي الوزير لا يلقي بالا إلى ما يترتب عن إقصاء من يثق الناس فيهم من خطباء ، وهو بذلك يكرس التطرف الذي ينتج عن نفور الناس من خطب لا تلامس واقعهم الذي يموج بعظائم الأمور في حين تعالج الخطب التي  يوافي بها الخطباء ولا يسمح لهم  بالتصرف فيها موضوع أهمية الملح على سبيل المثال لا الحصر وإلا فما أكثر خطبه الملحية .  

وأخير ندعو الله  له بصدق  ليرد به ردا جميلا يجنبه المضي في التعسف والاستبداد وفي جهالة موبقة.

وسوم: العدد 972