معالم فشل المشروع الإسرائيلي

الحرص الإسرائيلي الكبير على تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وإبرام عشرات الاتفاقات مع أي دولة عربية توافق على ذلك، إنما مرده إلى حالة القلق التي تعيشها نخبة الحكم في تل أبيب، والشعور بأن دولة الاحتلال ما زالت ضعيفة وتواجه الكثير من الأزمات الكبيرة، فضلاً عن رغبة إسرائيلية في القفز على الفلسطينيين، الذين تبين أن لا أحد منهم يُمكن أن يوافق على التسويات التي يطرحها الاحتلال.

في موجة التطبيع الأخيرة بين الاحتلال والدول العربية ثمة الكثير من الدروس والعبر، إذ من بين الأشياء التي كشفتها هذه الموجة، أن الأنظمة العربية ليست وحدها قلقة على مستقبلها من أن تقتلعها شعوبها في ثورات غضب كبيرة، بل إن إسرائيل ذاتها التي تملك أقوى جيش في الشرق الأوسط وأحد أقوى جيوش العالم، تخشى أيضاً من انتفاضة فلسطينية شاملة تعيد تشكيل الأوضاع في الأراضي المحتلة، وتُفسد على الاحتلال ما حققه في السنوات الماضية، بل في العقود الأخيرة.

الإسرائيليون يخشون من اندلاع انتفاضة شاملة في الأراضي المحتلة، كما أنهم يخشون من مواجهة مع غزة أو مواجهة مع لبنان، وهذا ما يُفسر العمليات الاستباقية المستمرة التي يقوم بها طيران الاحتلال داخل الأراضي السورية بين الحين والآخر، لكن الخشية الأكبر في اسرائيل تتعلق بالفلسطينيين داخل الخط الأخضر وليس فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة. فخلال السنوات الأخيرة تبين أن إسرائيل فشلت في صناعة فلسطيني جديد، إذ كانت تريد من السكان داخل الخط الأخضر أن يتحولوا إلى «أقلية عرقية» داخل «دولة ديمقراطية» وأن يقتنعوا بذلك ويتصرفوا على هذا الأساس، ليتبين أخيراً أن أبناء الجيل الجديد ليسوا كذلك ولا يؤمنون بأنهم كذلك، وقد ظهر ذلك بوضوح في العديد من الأحداث التي تم تسجيلها خلال الأعوام والشهور الأخيرة، وكان الحدث الأبرز في هذا المجال انتفاضتهم العام الماضي من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى والتحامهم مع فلسطينيي القدس والضفة، ضد الهجمة الاسرائيلية التي كانت تستهدف المسجد. الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية تفيد بأن المشروع الصهيوني في فلسطين لم ينجح، فلا الفلسطينيون في مدينة القدس المحتلة تركوا مدينتهم، ولا سكان الضفة الغربية فعلوا ذلك، ولا الفلسطينيون داخل الخط الأخضر تحولوا إلى إسرائيليين، بل يقول بعض كبار السن من سكان الداخل أن الهوية الفلسطينية، كادت تذوب خلال السنوات العشرين الأولى التي تلت تأسيس الدولة العبرية، لكنها سرعان ما عادت إلى الظهور في أوساط المجتمع العربي الفلسطيني في مدن الداخل، وبدا واضحاً أن الجيل الجديد الذي ولد في الثلاثين عاماً الأخيرة أكثر تمسكاً بهويته ودينه وأقل خوفاً من بطش الدولة العبرية وملاحقة أجهزتها الأمنية. خوف الاحتلال الاسرائيلي ولجوؤه إلى بعض الأنظمة العربية الضعيفة من أجل التطبيع، أو لطلب تمرير شهر رمضان بهدوء، إنما يعني أن الاحتلال يخشى من المواجهة المقبلة، ويعني أيضاً أن دوائر صنع القرار الإسرائيلية تدرك أن الفلسطينيين في الداخل وعددهم يقترب من مليون ونصف المليون شخص إنما يعتبرون أنفسهم جزءاً من المجتمع الفلسطيني ويتمسكون بهويتهم العربية، وهذا هو أحد معالم فشل المشروع الصهيوني.

وبينما هناك ثمة حالة قلق وخشية من أي مواجهة مقبلة مع الفلسطينيين، فإن إسرائيل دخلت في حالة استنفار منذ اليوم الأول لشهر رمضان المبارك، إذ يتصاعد الحديث فلسطينياً عن «معركة سيف القدس 2» بينما تتصاعد شهية المستوطنين لاقتحام الأقصى، وبين هذا وذاك فإن الأيام المقبلة وحدها كفيلة بإيضاح إلى أين تسير الأحداث على الأرض الفلسطينية.

وسوم: العدد 975