إسرائيل تخيفها الدانات لا الإدانات

انهالت الإدانات العربية والإسلامية "بأشد العبارات " على إسرائيل لاقتحام شرطتها وقواتها الخاصة المسجد الأقصى وجرح واعتقال المئات من الفلسطينيين ، وحذر بعضها من ذبح القرابين فيه . وتحركت مصر للوساطة بين غزة وإسرائيل خوفا من انفجار حرب خامسة بين الطرفين باعتبار غزة الجهة الفلسطينية الوحيدة التي يمكن أن تنفجر فيها هذه الحرب استجابة للأحداث في الضفة والقدس مثلما انفجرت في 2014 و 2021 . وانزاح خطر ذبح القرابين الذي حدد له الغوغاء من الإسرائيليين  الجمعة الفائتة لمناسبة عيد الفصح إلا أن العاصفة ما فتئت في الأفق ، فهؤلاء الغوغاء هددوا بتوالي اقتحامهم للأقصى ، اليوم الأحد ،  وكل المفاجآت جاهزة للانفجار. ومعروف أن الإسرائيليين يؤجلون ولا يلغون ما يريدون فعله انتظارا لمناخ أفضل لهذا الفعل . الحكومة الإسرائيلية  في تقديرنا لم تمنع ذبح القرابين خوفا من الإدانات العربية والإسلامية  أو استجابة للوساطة المصرية ،  وإنما خوفا من انفجار حرب خامسة مع غزة ستفعل بها ما فعلته الحرب الرابعة في العام الماضي وربما أكثر؛ من تعطيل لنواح كثيرة للحياة فيها ، ومن خسائر مالية يؤدي إليها هذا التعطيل ، وستؤكد هذه الحرب في حال انفجارها ما أكدته الحروب الأربع السابقة ، وهو أن قوتها العسكرية لن تحل مشكلتها مع الفلسطينيين لكونها مشكلة سياسية لا أمنية فحسب مثلما اهتمت دائما بتزييف حقيقتها ، وتصنيف من يقاومها منهم  إرهابيا يمكن التخلص منه بالاعتقال أو القتل . إسرائيل لا تمتنع عن فعل ما تريده إلا إذا خافت عاقبة فعله ، وهي الآن تخاف الدانات ( القذائف ) من غزة لا إدانات الدول العربية والإسلامية التي تعلم علم اليقين أنها نفاق خالص ، وأن أصحاب هذه الإدانات أكثرهم صديق لها أو   حليف ، وأن الأقصى لا قيمة له في ميزانهم ، وفي جو عاصفة اقتحام شرطتها وقواتها الخاصة له واعتقال وجرح مئات الفلسطينيين المدافعين عن حرمته التي يتعاظم جلالها وقدسيتها في شهر الصيام المبارك ؛ حضر سفراء الأردن ومصر والإمارات والبحرين وتركيا مأدبة إفطار أقامها لهم الرئيس الإسرائيلي هيرتزوج ، ولأنه يعلم حقيقة مواقف دولهم من اقتحام الأقصى  ومن كل القضية الفلسطينية لم يمنعه مانع من القول لهم إن ذبح القرابين في الأقصى كذبة مختلقة ! ولم نسمع أن أحدا منهم راجعه في قوله الذي تبطله وتكذبه شواهد الأحداث الجارية في الأقصى وفي سائر الأراضي الفلسطينية . الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه وحيد في حماية الأقصى ، وانتصر مرارا في حمايته ، وسينتصر دائما لكون الله _ تبارك اسمه _ معه في هذه الحماية لأولى القبلتين وثالث الحرمين الذي بارك الله  حوله ، وجعله مقصد الإسراء برسوله _ صلى الله عليه وسلم _ وموضع عروجه إلى السماء . والله _ سبحانه _ لا ينصر ظالما ، ومنع ذكر اسمه في مساجده أعلى مستويات الظلم ، يقول _ تعالى _ في الآية الرابعة عشرة بعد المائة من سورة البقرة : " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيه اسمه . " . إسرائيل تمنع الفلسطينيين من ذكر اسم الله في المسجد الأقصى ، واستناجا : هي الأظلم ، فلا نصر لها في هذه المواجهة ، والنصر لمن يدافع عن هذا الذكر ، وهم الفلسطينيون مسلمين ومسيحيين . وكم سيكون هذا النصر كبيرا ويسيرا ، وسيفضي إلى انتصارات أخرى حاسمة على المشروع الصهيوني لو عُزِز دفاع الفلسطينيين عن الأقصى وكل فلسطين بقوى عربية وإسلامية صادقة صدق الفلسطينيين في هذا الدفاع . والبلاء المروع أنهم لا يكتفون بخذلان الفلسطينيين ، بل ينصرون إسرائيل عليهم ، ودعواتهم ووساطاتهم للتهدئة تستهدف حمايتها من الفلسطينيين لا حمايتهم منها لقناعتهم أن أمن أنظمتهم وسلامتها جزء من أمن إسرائيل وسلامتها . ويذهب  بعض أهل الرأي من الكتاب العرب إلى أن خذلان العرب والمسلمين للفلسطينيين ليس شرا خالصا ، وأنه ينتمي إلى رؤية "رب ضارة نافعة " لتحفيزه الفلسطينيين للاعتماد على أنفسهم ، وحصر معركتهم مع المشروع الصهيوني داخل وطنهم ، والمشهود أن الاعتماد الفلسطيني على الذات الذي بدأ بالانتفاضة الأولى أكد فاعليته ، وألقى بإسرائيل في دوامة من المشكلات والأزمات التي اقتحمت على مستوطنيها الشارع الذي يسيرون فيه ، والبيت الذي يسكنونه ، والسيارة التي يستقلونها . قبل الانتفاضة الأولى كانت كل مشكلاتها وراء الحدود ، ومستوطنوها في أمان منها . ونحن مع هذا المذهب في الرأي ، وهذا الاعتماد على الذات هو الذي اقتلع إسرائيل جنودا ومستوطنين من غزة ، وهو الذي جعلها تحذر التحرش بها  مثلما تحذره  هذه الأيام . ويتوغل الكاتب القومي العربي ناصر قنديل في هذا المذهب من الرأي ، ويبشر بأن الاعتماد الفلسطيني على الذات أدخل المنطقة في العصر الفلسطيني ، وأن هذا العصر سيصنع نهاية المشروع الصهيوني الذي لن تنقذه كل تحالفاته العربية والإسلامية التي تكتفي  في الاعتراض على جرائمه بإدانته أحيانا ب " أشد العبارات " ، وأحيانا بلينها الذي يشبه العتاب ، وأدان بعضها المقاومة الفلسطينية مثلما فعلت البحرين والإمارات وتركيا بأشد العبارات حين قتل رعد حازم ثلاثة مستوطنين وجرح عشرة في تل أبيب . كل الفلسطينيين باستثناء سلطة عباس مقتنعون اقتناعا لا تردد فيه أن إسرائيل تخاف الدانات لا الإدانات ،  وهم على درب هذا الاقتناع ماضون عازمون ، وحتما بعون الله _ تبارك اسمه _ منتصرون . 

وسوم: العدد 977