حكمة الصين ستهزم حماقة أميركا

أوجز الرئيس الفرنسي شارل ديجول جانبا من جرائم أميركا بقوله إنها نشأت على ثلاث جثث ،  جثة أوروبا ، وجثة الهنود الحمر سكانها الأصليين الذي استولت على أرضهم ، وقتلت منهم الملايين ، وكادوا يختفون من التاريخ ، والثالثة  جثة الأفارقة الذين جلبهم إليها تجار الرقيق ، وسخرهم مزارعوها ، خاصة في الجنوب ، في الزراعة في ظروف اضطهاد وجوع وبؤس شامل . ونشأتها على جثة أوروبا تفسيرها أنها استجلبت قوى عمل وعلم وثقافة وصناعة من أوروبا على حساب تقدمها . وبديهي أن إيجاز ديجول ترك جثثا  أخرى قتلتها أميركا بطريقة أو بأخرى قتلا كبيرا أو صغيرا لتنمية كيانها الذي تأسس على الجثث الثلاث الأولى . وجوهر مدلول الجثث أن أميركا إذا أرادت شيئا فإنها لا تسعى لنيله بطريقة سلمية سوية تتبادل من خلالها المنفعة مع من يملكونه ، وتستعين عوض هذه الطريقة المشروعة بالعدوان العسكري  المباشر ، أو الحرب عبر الوكلاء ، أو فرض العقوبات الاقتصادية والمالية مثلما تفعل مع إيران منذ سنين ، ومع روسيا بعد عمليتها العسكرية في أوكرانيا . وقد تسرق ما تستطيع سرقته مثلما تسرق نفط  سوريا . ولا حاجز أخلاقيا لها يمنعها من تجميد ما لديها من استثمارات أو ودائع دول أخرى بمسوغات لا قانونية فيها ، وطالب ترامب منذ أيام   بالاستيلاء على 583 مليار دولار مودعة في حسابات ساسة عراقيين في المصارف الأميركية ، مثلما نشر في موقع الخزينة الأميركية ، وحجته في لمطالبته  أنها يجب أن تكون ضريبة لدماء   الجنود الأميركيين الذين قتلوا في العراق !   وفي تسعينات القرن الماضي استولت بالتقاسم مع بريطانيا على أموال  " بنك الاعتماد " الإماراتي البالغة 20 مليار دولار بتهمة غسله الأموال غير المشروعة الكسب . وهي تحض على الحروب والنزاعات بين الدول لتبيعها الأسلحة التي يقدر عدد المنتفعين من صناعتها ب 60 مليون أميركي  . إنها مجنونة بكسب المال بأي وسيلة . يقول الكاتب الأميركي أليكسيس دو توكوفيل :" لا أعرف بلدا سوى أميركا يسيطر فيه حب المال على هوى النفوس . " .   

ولا تحترم سيادة الدول ووحدة أراضيها . هي السبب في تقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى دولة جنوبية تابعة لها ، وشمالية تعاديها ، وتفرض عليها العقوبات ، وهي التي تحول دون عودة تايوان إلى الصين . وكل الأنظمة التي تنال رضاها وحمايتها أنظمة مستبدة مكروهة من شعوبها . وحمايتها لإسرائيل ومؤازرتها لها في عدوانها على الشعب الفلسطيني تجسيد لأعلى درجات الانحطاط في السلوك السياسي وغير الإنساني  ، ومن مفسرات هذا الانحطاط أن إسرائيل صورة مصغرة لأميركا في النشوء على جثث الآخرين . نشأت على جثة الشعب الفلسطيني . وهي ، أميركا ، تمتلك من الوقاحة العالية المنسوب ما لا يصدها عن تقديم نفسها الدولة الأولى المدافعة عن حقوق الإنسان في العالم . وهذه كذبة كبرى لا يصدقها سواها ، على نهج " جحا قال ، وجحا صدق . " . ويسرنا  ما يقوله الكاتب الأميركي ه . ل . منكن : " يعجب الشعب الأميركي إعجابا فائقا بالكذابين الوقحين ، ويمقت الذين يحاولون قول الحقيقة مقتا عنيفا . " . ولم تكف عن التحرش بروسيا في جوارها الإقليمي الاستراتيجي بتشجيع دول هذا الجوار على الانضمام للناتو ، فاضطرت روسيا للقيام بعمليتها العسكرية في أوكرانيا ، فالتقطت أميركا سانحة التاريخ للقضاء عليها  بصفتها قوة كبرى تردع بأسلوب أو آخر هيمنتها الظالمة على العالم . ثم هي تتحرش بالصين في تايوان ، وتشيع التوترات في جوارها الاستراتيجي في المحيطين الهادي والهندي . وفي زيارته لليابان ، هدد بايدن الصين بالرد عسكريا إن هي سعت لضم تايوان بالقوة ، ويرد وانج يي وزير الخارجية بحكمة وهدوء : " ما يسمى استراتيجية المحيطين الهندي والهادي التي تعتمدها أميركا هي في جوهرها استراتيجية لإثارة الانقسام ، والتحريض على المواجهة ، وتقويض السلام ، وبصرف البصر عن أسلوب تغليفها أو إخفائها فإنها حتمية الإخفاق في الختام . " . ونرجح حدوث ما توقعه وانج . الحكمة دائما تغلب الحماقة مهما كانت قوة الثانية المادية ، وضعف الأولى المادي . والصين حكيمة ،  وقوية ماديا في الاقتصاد ، وآلة الحرب سلاحا وجندا . وحكمتها تطيل نفسها في صراعاتها مع أعدائها ، فتهزمهم في النهاية . كانت تستطيع طرد بريطانيا من هونج كونج  آمرة لها بالانسحاب الفوري إلا أنها آثرت التعامل معها بحكمة لدواعٍ مالية واقتصادية وسياسية ، فاتفقت معها في 1997 على عودة هونج كونج رسميا للوطن الأم مع بقائها  مستقلة في نظامها الاقتصادي 50 عاما ستنتهي في 2047 . وحكمتها وصبرها في التطلع لاستعادة تايوان سيجعلان مصيرها ذات مصير هونج كونج ، ولن تخرج كوريا الجنوبية عنه . سيتوحد الشعب الكوري مستقبلا متحررا من  هيمنة أميركا على جنوبه ، ومن تهديداتها  وعقوباتها لشماله . أميركا هناك تسبح مضادة لطبيعة الأشياء وحركة التاريخ . قال  توماس جيفرسون في خطاب افتتاح رئاسته لها في 1801 : " السلام والتجارة والصداقة الشريفة لا توقع أحدا في شرك التحالفات مع الآخرين . " ، وسياسة أميركا منذ الحرب العالمية الثانية تناقض كليا ما قاله . 

وسوم: العدد 982