دعوة إلى التفكير .. واضطراب الموازين... وميزان القضايا أدق من ميزان الذهب

وعايشت من الموازين في حياتي العملية نماذج منها...

ميزان الجزر، وهكذا كنا نسميه في حلب، استخفافا. وهو زنبيلان من بلاستيك، مربوطان إلى ذراع حديدي، وغالبا ما تكون المعايير فيه، قطعا من حجارة، كلما حركها صاحبها تتفتت!! وميزان الجزر هذا ميزان اعتباري، استيفاء الحق به، يقوم على سماحة صاحبه، الذي ما زان إلا أرجح وزاد...

ثم الميزان ذو الكفات الصفر، والصنجات المعدنية، يعتمد الناس عليه، في المبيعات الأكثر دقة في التدوال اليومي المستطاع.

ثم ميزان الذهب والفضة ونحوهما من الأشياء القيمة الثمينة، وعند باعة هذه الأشياء، رأيت الغرام لأول مرة قبل اختراع الميزان الالكتروني..!!

وحديثي اليوم عن ميزان الحق والباطل، والخطأ والصواب، ومع إيماننا أن "الحق أبلج وأن الباطل لجلج" فنحن نعلم أيضا أن ثمة مواطن يشتبه فيها الحق بالباطل حتى لا يدركه إلا عقل العاقل الفطن العالم...

ونطرح أحيانا سؤالا من تلك المشتبهات التي لا يعلمهن كثير من الناس، والتي تفرض الضرورة في بعض الأحيان، التخوض فيها، والتخوض فيها لا يتم إلا بعد معايرتها أدق المعايرة وأوفاها، فتجد بعض الناس يقطع الطريق عليك، بالقول الجزاف، وكأنه ملك علم الأولين والآخرين...

إن الدعوة إلى التفكير هي أساس دعوة القرآن في التأسيس لعقيدة التوحيد. (أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ) وإنها لمناسبة لنا جميعا أيها الناس لنعتبر، ولنتوقف عن الشلف والكلام البلف. وعن التدلية بالغرور، وأن نعلم أننا مقبلون "على سنوات خداعات، يصدّق فيها الكاذب، ويكذّب فيها الصادق، ويخوّن فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الروبيضة". الرجل التافه لا علم ولا فكر، يصادر أمر الناس...

وكل ما سبق هو نتيجة أحد أمرين: الأول:

اختلال الموازين والمرجعيات.

 ومرجعيتنا الأولى نحن المسلمين كتاب الله وشرعه، نزين به كل ما يرد علينا أو يعترضنا "وزن بميزان الشرع كل خاطر" ثم عقل قويم وفقه رشيد يرشدنا على مراقي الرشد والفلاح.

والأمر الثاني الذي يتسبب لنا بكل ما نحن فيه من ضياع وتلاشٍ وانفراط عقد:

 الإعراض عن التفكير الرشيد، والنظر الثاقب السديد، والتدبر في النتائج، والإصاخة إلى صوت العقل المعبر عن حقيقة الشرع، فضاع بعض الناس، وضيعوا..وما زالوا في ضلالهم وغيهم وطغيانهم : يعمهون...وتقول للناس هاهنا عقبة كأداء هلموا نتعاون على حلها، فيرد عليك بما شاء. وكأنه هو الذي يقول للشيء (كُن فَيَكُونُ)

أيها السوريون العقلاء الفضلاء...

أوراقنا مطروحة على كل المناضد، يبدئ فيها أصحاب المكر ويعيدون، إلا على منضدتنا نحن، حيث ينشغل سوادنا بشغل الذين لا يفكرون...!!

إن كل ما ندعو إليه أصحاب الأحلام والنهى إليه، هلموا نفكر، أو دونكم فتفكروا فيما نحن فيه وفيما نصير إليه. ويشهد لدعوتي حالنا، حال من خرج يطلب الزيادة ودفع ثمنها أوفى ثمن، وآب بالخسران والنقصان...!! ألا تعجبون؟؟ أمخرجات عملية طبيعية هذه التي نعيش؟؟

وكان من كلمات سيدنا رسول الله والصالحين من بعده: لو استقبلت من أمري ما استبدلت...، أي أنهم كانوا يراجعون القضية من مبتداها إلى منتهاها، على ضوء ما علموا من علم جديد!!

وهل العلم الجديد الطارئ يغير النهج والسياسة والموقف، مع ثبات العلم الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن ربنا - تعالى ربنا- على كل شيء قدير وحفيظ...؟؟!!

ربما هي قضية أخرى ، تلتبس على الناس في هذا العصر تحتاج إلى تفكير.

فكروا يا عباد الله.... فكروا ، ولا يأخذنكم عدوكم إلى مكان ذبحكم وأنتم تهزجون..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 985