دور الإعلام المأجور في تضخيم واقع وحقيقة العلمانية في البلاد العربية

من الأمثال المغربية الشعبية قولهم " بو لسان يغلب بو عينين" ،ويقصد به أن  الناطق بلسانه  يبز الصامت الناظر ببصره ، ذلك أن الأول تتاح له فرص الكلام التي لا تتاح للثاني وإن كان أعقل وأفصح منه . وأبو اللسان حسب تعبير المثل  المغربي لا يبالي بما يقتضيه القول من سداد كما أمر بذلك الله تعالى في قوله : (( يا أيها الذين أمنوا قولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )) ، ولا يبالي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " ولا يبالي بأقوال الحكماء من قبيل قولهم : " الكلام كالدواء قليله ينفع، وكثيره يضر " أو قولهم : " صمت خير من هذر " . ولا شك أن تعلم الصمت أصعب من تعلم الكلام لهذا يقال : " يحتاج الإنسان إلى سنتين فقط  ليتعلم الكلام ،لكنه يحتاج إلى سنين عددا ليتعلم الصمت  ويدرك ما وراءه من حكمة " .

ومعلوم أن الكلام ليس مذموما في عمومه ، وليس الصمت محمودا في عمومه، ذلك أن المتكلم  أحيانا قد يحوز درجة أفضل الجهاد إذا نطق في وجه السلطان الجائر، في حين  قد يكون الساكت أحيانا شيطانا أخرس . وقد يكون المتكلم أيضا شيطانا أفصح، فتستهوي فصاحته سوادا أعظم  من العوام ، ويكفي أن نذكّر بأن إبليس اللعين قد غرر كلامه  بآدم وحواء عليهما السلام حتى أخرجهما من الجنة ، ولا زال ذلك دأبه مع ذريتهما إلى قيام الساعة ،وقد أضل منهم خلقا كثيرا . وكم من إنسان يحذو حذو الشيطان، فينخرط معه في الفساد والإفساد، وتضليل الخلق مصداقا لقول الله تعالى : (( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون )) . وواضح من قوله تعالى هذا  أن من سننه في الخلق أن يبتلي أنبياءه الكرام  صلواته وسلامه عليهم أجمعين بأعداء من الإنس والجن يتعاونون فيما بينهم لصرف الناس عنهم، وعن دعواتهم من أجل إلحاق الضرر بهم ، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعا من أولئك الأنبياء ، وقد خاطبه ربه بهذا الكلام تسلية له عما كان يحزنه من كيد أعدائه إنسا وجنا .

 وباعتبار عموم لفظ هذه الآية ، فإن هذا الابتلاء  سار في الخلق إلى يوم الدين  ، وعليه، فإن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضة مند بدئها في حياته   لكيد من يعادونها إنسا وجنا ، وكذلك كان شأنها بعد التحاقه بالرفيق الأعلى ، ولا تختلف عداوة من يعادونها وإن اختلفت الأعصر  والأمصار حتى تقوم الساعة .

ومما ابتليت به الدعوة الإسلامية في زماننا هذا كيد علماني  خبيث ، والعلمانية إنما كانت  وليدة صراع بين الكنيسة في بلاد الغرب المستبدة بالسلطة وبالمال في وبين  خصومها من اللادينيين الذين رفعوا شعار إقصاء الدين من حياة  يرون أنها لا تستقيم إلا بذلك لتكون مدنية صرفة ، ثم صار إقصاء الدين عند العلمانية الغربية بعد ذلك عقيدتها المعممة على كل الأديان  بما في ذلك الدين الإسلامي ، وقد صادفت عداوته هوى صليبيا  في نفوس الغربيين  ، وهي عداوة استمرت لقرون خلال فترة الحروب الصليبية التي انتهت  بصيغتها الاستعمارية الحديثة . وأمام مقاومة البلاد الإسلامية للاحتلال الغربي، ازدادت عداوته للإسلام ، واتخذت أشكالا وأساليب ماكرة ومختلفة بدءا باستشراق خبيث ، وانتهاء بغزو مقيت .

ولما اضطر الاحتلال الغربي إلى الرحيل عن بلاد الإسلام، انتدب له طوابير خامسة مستأجرة  من المحسوبين على الإسلام  لتنوب عنه في تمديد تبعيتها للغرب العلماني ، ولتمديد استنزاف خيراتها ومقدراتها. ومعلوم واقع هذه الطوابير الخامسة أنها عبارة عن أورام سرطانية  مبثوثة في جسم  البلاد الإسلامية، وهي على قلتها وسط السواد العظم لأمة المسلمة تعيث فيها فسادا وإفسادا خصوصا وأن وراءها أوكارا خبيثة ماكرة تمولها ، وقد مكنتها من إعلام ضخم يوهم بأنها رقم وازن  لا يمكن الاستهانة به خصوصا وأنها تسربت إلى مصادر صنع القرار ، وصارت عبارة عن لوبي ضاغط  لتمرير إملاءات العلمانية الغربية ، وتنزيل أجنداتها تحت شعارات مبهرجة خادعة توهم بأنها تهدف إلى نقل الأمة الإسلامية مما تعتبره تخلفا يعزى إلى الإسلام إلى حداثة ومدنية تعزى إلى العلمانية .

ومع اندلاع ثورات الربيع العربي التي أفرزت بشكل واضح لا غبار عليه رهان الأمة الإسلامية على دينها، ثارت ثائرة العلمانية الغربية، فجيشت لها ثورات مضادة أجهضتها  في مهدها ، ومكنت لطوابيرها الخامسة المستأجرة  تمكينا إعلاميا محموما غير مسبوق  إذ لا تكاد شمس يوم تطلع أو تغرب إلا ومواقعها الإعلامية على الشبكة العنكبوتية تبث القاتل من سمومها ، وهي مواقع لا شغل لها سوى النيل من صرح الإسلام الشامخ عبر جبهات مختلفة يجمعها هدف واحد هو الحلم باستئصال الإسلام من أفئدة أبنائه أولا  قبل طمس معالمه من بلاده . ولم يعرف العالم  من التهم الخطيرة لكل ما  أومن له صلة بهذا الدين كما عرفه في عصرنا هذا ، وكل ذلك من مخططات العلمانية الغربية التي ترى في الإسلام منافسا يهدد مشروع عولمة قوانينها بل يهددها في وجودها أيضا لسر أودعه فيه الله عز وجل يجعل هذا العالم لا يصلح إلا به كما صلح به في فترات تاريخية ذهبية سابقة لا زالت تتشوق إلى عودتها الأمة الإسلامية بعدما ضاقت ذرعا بويلات الاحتلال الغربي جين كان  مقيما في بلاد الإسلام ، وبعد ما رحل عنها  مع بقاء آثاره في شتى آفاقها  ، ومع استمرار وجود أذنابه من الذئاب الضارية   الذين يكيدون لها الكيد الخبيث ليل نهار ، ويسعون إلى شرعنة مؤامراتهم المكشوفة والخطيرة بذريعة ما يسمى  احترام قيم دولية ،وما هي إلا قيم العلمانية الغربية معولمة ومفروضة فرضا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتداعياتها الأشد سوءا بالنسبة لبلاد الإسلام .

ومقابل الفيل الإعلامي الذي مكنت منه الطوابير الخامسة المستأجرة ، نجد نملة إعلامية إسلامية  تنافح بوسائها المتواضعة عن بيضة دينها المستهدف، ومع ذلك ستبقى إرادة الخالق سبحانه وتعالى قدرا لا راد له مصداقا لقوله السابق  الذي مر بنا : (( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون )) ،وما زخرف القول  في زماننا هذا سوى ما تفتريه الأبواق الإعلامية للطوابير الخامسة العلمانية  المستأجرة على الإسلام مما هو منه براء ،و ما تفتريه أيضا على أتباعه الذين يستعصون على كل محاولات  التدجين أو التطويع خصوصا  وقد  شاءت إرادة الله عز وجل أن تتمكن من قلوبهم مبادؤه،  وقد خالطت دماءهم ومشاعرهم ، وهم على يقين بأنه لا حياة كريمة  إلا في ظله، وفي كنفه ، فعسى أن يعجل الله عز وجل بإعزازه العزة التي وعده بها في محكمه تنزيله  كلما أريد به سوء أو شر.

وسوم: العدد 994