بعد 200 عام… الأتراك يتعلمون اللغة العربية

يناقش الشارع التركي منذ نحو منذ 200 عام كيفية تعلم اللغة العربية بطريقة جيدة. وازدادت النقاشات في هذا الصدد أكثر مع ابتعاد المجتمع عن التقاليد وتأثير الغرب. ونشرت العديد من الصحف والمجلات تقارير نقاشية ومقالات تسلط الضوء على فشل حلقات العلم والمدارس في تعليم اللغة العربية بشكل محكم، ومنها صحيفة «حرييت (الحرية)» التي كان يصدرها المفكر العثماني الشهير نامق كمال، ومجلة «سبيل الرشاد» للشاعر الوطني التركي محمد عاكف أرسوي. كما أصدر محمد عارف أفندي، مؤلف كتاب «شرح ألف حديث وحديث»، خلال فترة إقامته في مصر، منشورات تناقش أسباب عدم تدريس اللغة العربية بشكل جيد في تركيا.

وهناك مثل شائع بين الأتراك، سواء العامة أو المثقفين، مفاده «ابني يقرأ البناء (في اللغة العربية) يعود ويقرأ مرارا وتكرارا»، في إشارة إلى عدم تعليم لغة الضاد في حلقات العلم والمدارس بشكل محكم. وكان درس البناء في المدارس العثمانية يتناول قواعد أواخر الكلمات، أما الأمثلة فكانت تحتوي على اقتران الأفعال والنماذج على ذلك. وهذه الدروس كانت صعبة جدا بالنسبة إلى الأطفال الجدد في المدارس. وكان الطفل الذي ينجح في البناء ينقل إلى مراحل أعلى لكنه في حال أخطأ في المراحل المتقدمة فإنه يجبر على العودة لدراسة البناء من جديد. وللأسف كان عدد قليل جدا من التلاميذ ينجحون في تجاوز هذه المرحلة.

تشرف حلقات العلم والمدارس على تعليم اللغة العربية منذ فترة «النظام الجديد»(1792) و»التنظيمات الخيرية»(1839) لكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها بأي شكل، ودفع هذا الوضع عالما يدعى الحاج إبراهيم أفندي، إلى تأسيس أول مدرسة خاصة في الدول العثمانية عام 1883 بغية تعليم اللغة العربية بشكل أفضل، وأطلق حينها اسم «دار التعليم». وأثارت مدرسة الحاج إبراهيم أفندي جدلا واسعا في البلاد وجذب اهتماما كبيرا.

في ديسمبر/كانون الأول من عام 1883، أشرف الحاج إبراهيم أفندي على افتتاح «دار التعليم» بعد استئجار منزل أمين الرسوم الجمركية أديب أفندي، الكائن في شارع هورهور بحي الفاتح التابع لإسطنبول، بالتعاون مع الأساتذة جولاق حسين، شومولوزادة حسن، وأحمد شوقي، الذين كانوا ينتمون إلى مدارس فاتح نقشيديل وقواجيلار. وكانت هذه المبادرة في إطار خطة وضعها الحاج إبراهيم أفندي منذ وقت طويل في سبيل تعليم اللغة العربية بأسلوب جديد.

حظيت مدرسة «دار التعليم» بإقبال وتقدير واسع جدا، وكانت صالاتها تمتلئ بالعديد من العلماء الكبار والشخصيات المعروفة في الدولة أثناء فترة الاختبارات، أمثال جودت باشا، ومنيف باشا. النجاح الذي حققته المدرسة في تعليم اللغة العربية بأسلوب سهل، دفع نحو 500 طالب للتسجيل فيها قبل مرور عام واحد على تأسيسها. حتى أنها جذبت طلابا من مناطق البلقان والقوقاز لتعلم اللغة العربية. وساهم المتخرجون منها في ترجمة عدد كبير من الكتب العربية إلى اللغة التركية. بعد الوفاة المفاجئة للحاج إبراهيم أفندي، في عام 1889، انقسمت إدارة المدرسة إلى قسمين. وأسست الإدارة المنفصلة مدرسة أخرى مستقلة سميت «دار التدريس». لكن بعد فترة من الزمن، اضطرت كلتا المدرستين إلى الإغلاق بسبب المشاكل المالية.

استمرت نقاشات تعليم اللغة العربية بعد انهيار الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية لكنها لم تدم طويلا لأن السلطات قررت إلغاء تعليم اللغتين العربية والفارسية في المدارس، وفرضت إلزامية تدريس اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية. حتى أن جماعة دار الفنون لم تستطع العثور على أساتذة من أجل تعليم الأدب العربي. وفي فترة قريبة من الحرب العالمية الثانية، قام المستشرق الألماني د. ريشر بتدريس الأدب العربي، وقدم مستشرق ألماني آخر، يدعى د. ريتر، دروسا في اللغة العربية للطلاب الأتراك.

خلاصة الكلام استمر الصراع بشأن تعليم لغة الضاد في تركيا سنوات طويلة، لكننا اليوم أصبحنا نرى كليات «اللغة العربية وآدابها» في العديد من الجامعات التركية. ولم تعد جامعاتنا تخلو من الطلاب الأتراك الذين يتقنون العربية جيدا ومن الأستاذة العرب القادمين من دول عربية مختلفة لتقديم الدروس. كما أصبحت اللغة العربية من الدروس التي يقدمها العديد من الأوقاف الخاصة في عموم البلاد. باختصار؛ لقد نجح الأتراك في تعلم اللغة العربية بعد 200 عام.

وسوم: العدد 1009