الديكتاتورية العسكرية تعيق انطلاق قطار المغرب العربي الكبير

لقد كان آخر ما صرح به الرئيس التونسي المتنمّر بعدما جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية مخيبة لآماله ، وكاشفة عن رفض سواد الشعب له  هو تخوينه للشعب عموما، وللأحزاب السياسية ، وللنقابات العمّالية  ، ولجهاز القضاء ، وللمحامين ، وللصحفيين ، ولجمعيات المجتمع المدني ، وقد صار في نظره وحسب تصريحه هو الوطني الوحيد  والمخلص ، ومعه  حكومة دمية  أو كركوز نصبها في ظرف حل البرلمان ، والتي يجمعها بين الحين والآخر ليريها تفصّحه ،  وتقعره في الكلام، وهو يتخلل بلسانه تخلل الباقرة مهددا ،ومنذرا كل ما يعارضه بالويل والثبور وعواقب الأمور.

وليست تونس استثناء من الدول التي تحكمها الديكتاتورية العسكرية بدءا بمصر المتسلط عليها متزعم الانقلاب على الشرعية والديمقراطية ، ومرورا بليبيا التي يعرقل فيها  اللواء المتقاعد عودة السلام إليها، وانطلاق قطار الديمقراطية فيها ، وانتهاء بالجزائر التي يحكمها "الكابرنات " .

 ولئن كان الرئيس التونسي مدنيا قد صوت عليه الشعب في فترة الديمقراطية الناشئة ، فإن وراءه دون شك العسكر أيضا ، وهو يستقوى بهم ، ويهدد بهم  من يرفض ديكتاتوريته. ووراء كل تلك الديكتاتوريات العسكرية من يمولها ، ويدعمها إقليميا وغربيا .

وأكبر خسارة تسببها تلك الديكتاتوريات العسكرية بعد التعسف ضد شعوبها ، ومنع المسارات الديمقراطية هي إعاقة انطلاق قطار المغرب العربي الكبير ، وهو قطار يقلق انطلاقه جهات إقليمية ، وغربية لأن مقدرات الأقطار التي سيربط بينها  البشرية والمادية  يحسب لها ألف حساب والتي ستتمخض عنها نهضة شاملة من شأنها أن تجعل بلدان شمال البحر المتوسط  تفقد مصدرا مهما من مصاد صناعة نهضتها و وتفوقها ،وتقدمها ،ورفاهيتها .

والديكتاتوريات العسكرية من مصر إلى الجزائر تقايض بقاءها في السلطة ، ومراكمتها للأموال غير المشروعة بالتعسف والاستبداد ، وتفقير الشعوب ، وتجييشها ضد بعضها البعض ، واختلاق بؤرالتوتر ، وإغلاق الحدود جوا، وبرا ،وبحرا  ، وقطع العلاقات الدبلوماسية  ، وتعليق الاتفاقيات الاقتصادية .... كل ذلك تطبيقا لأجندات إقليمية وغربية بموجب ما تمليه شروط  بقائها في السلطة .

ومقابل استبداد  تلك الديكتاتوريات العسكرية ، نجد شعوب المغرب العربي بما في ذلك شعب مصر تواقة إلى الديمقراطية التي كانت حلمها الجميل الذي تم الإجهاز عليه قبل أن تؤتي أكلها ، ولقد كان ما  حدث  في المونديال بدولة قطر  فرصة عبرت فيها تلك الشعوب عن تمسكها بآصرة الأخوة ، وأثبت للديكتاتوريات العسكرية، ولمن يقف وراءها إقليميا وغربية أنها ليست كما يعتقد قد روّضت ، ودجّنت بل هي كما كانت دائما  عصية على الترويض والتدجين بالقوة ، وبالقبضة الحديدية ، وأنها دائما متشبثة بأخوتها ، ومؤمنة بوحدة مصيرها ، ومتمسكة بالمسار الديمقراطي ، وبالطموح لتحقيق نهضة تحررها من القيود الظالمة لدول الشمال المتسلطة على خيراتها ومقدراتها ، وعلى عنصرها البشري الكفء عقليا وعضليا .

وما لم ترحل  تلك الديكتاتوريات العسكرية من مصر إلى الجزائر ، فلن يتحقق لشعوب هذه المنطقة ما تنشده من وحدة ، واستقرار ، وأمن، وسلام ، وازدهار ورخاء . فهل سيتحقق لها ذلك في يوم من الأيام ؟؟؟   

وسوم: العدد 1013