حينما يعادي المتطرفون أردوغان والإسلام؟

لعل الأمر مدعاة إلى التأمل فعلا، فكلما زاد حقد متطرف غربي أو شرقي على الإسلام، سبّ رموز الدين الإسلامي ومقدساته وهاجم تركيا وأردوغان، وكلما أراد الغربي أن يعبر عن قوة الحضارة الغربية في مقابل الحضارة الإسلامية هاجم الإسلام ورموزه ثم الدولة العثمانية والدولة التركية وأردوغان.

هناك حالة ربط دائم بين تركيا والاسلام في العقلية الغربية، وهناك إجماع غير محسوس في العقل الباطن الغربي على أن أردوغان هو من يمثل العالم الإسلامي رغم أنه لا يحكم إلا دولة واحدة فقط من نحو 56 دولة مسلمة في هذا العالم، ولا تمتاز هذه الدولة بينهم مثلا بأنها الأكثر سكانًا، ولا أنها تستحوذ على مقدسات الإسلام، ولا حتى أنها تتكلم بلغة القرآن، بل إنها من دونهم جميعا لها دستور يقول إنها دولة علمانية.

وقد وصل الأمر إلى أنه في عام 2018 أغلقت النمسا سبعة مساجد وطردت عشرات الأئمة عقب عرض قدم في إحدى دور هذه المساجد ارتدى فيه الأطفال ملابس جنود الدولة العثمانية.

كما أن الإرهابي الذي أطلق النار ببندقيته الرشاشة فقتل أكثر من 50 مصليًا في مجزرتين بمسجدين في نيوزيلندا عام 2019 كتب رسائل على الأسلحة تحمل تواريخ تشير إلى أن المذبحة تأتي ردًّا على انتصارات الدولة العثمانية والسلجوقية على الحملات الصليبية.

وفي إطار الحرب المتصاعدة بين تركيا وفرنسا لجأ الرئيس الفرنسي إلى تشجيع إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، باعتبارها حرية تعبير وهي الرسوم التي احتجت عليها أنقرة ضمن عدد كبير من دول العالم الإسلامي عقب نشرها في السويد والدنمارك، وهنا رد عليه أردوغان بدعوة الشعب التركي إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، قائلا إن ماكرون بحاجة إلى الرعاية العقلية.

الإساءة سياسية

كثير من المؤشرات تشير إلى أن الواقعة التي جرت في السويد الأسبوع الماضي هي في الأصل سياسية، وأن سلطات السويد أرادت الرد على الوقوف التركي دون انضمامها إلى الحلف الأطلسي بالموافقة على تظاهرة لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا حركة إرهابية فيها إساءة لصورة أردوغان، وبقيام المتطرف الدنماركي بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في ستوكهولم.

وأكدت هذه الرؤية ما جاء في نص طلب التظاهرة، فبحسب تصريحات المتحدث باسم شرطة ستكهولهم فإن مواطنا دنماركيا سويديا يمينيا متطرفا قدم طلبا لتنظيم تظاهرة أمام السفارة التركية، كتب فيه تنظيم “مظاهرة ضد الإسلام في السويد عبر حرق القرآن ومظاهرة ضد رجب أردوغان الذي يضع عقبات أمام حرية التعبير في السويد”.

لعل تلك الواقعة باختيار وقوعها أمام سفارة تركيا تعزز من صحة الرؤية الخاصة بأنهم يهاجمون الإسلام من أجل الإساءة إلى تركيا وقيادتها، وهي الرؤية التي عارضها مراقبون منهم الإعلامي المصري عمرو أديب فحاولوا التقليل من شأن الواقعة والإساءة إلى أردوغان، وتناسوا أن ذلك يرفع من مكانته ولا يحط منها.

وربما أدركت القيادة التركية الأمر، فراحت تصعد من لهجتها اتجاه الواقعة بإلغاء زيارات كانت مقررة لوزير الدفاع ورئيس البرلمان السويديين لأنقرة، بل قامت تركيا بتكليف محامين سويديين بمقاضاة مرتكب الواقعة.

المعارك الداخلية

العجيب أن معارك أردوغان مع المعارضة التركية في الداخل يدور كثير منها أيضا حول الإسلام، وموقف الدولة منه ومن مظاهره، وخاصة مسألة منع أو إتاحة ارتداء الحجاب التي يشتعل الآن أوارها بسبب اتجاه حزب العدالة والتنمية لتحصين حرية ارتدائه في البلاد دستوريًّا قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/ أيار القادم.

وقد أكدت استطلاعات الرأي التي أجرتها عدة جهات استقصاء مستقلة بعضها علماني التوجه، أن ما بين 55% و70% من الأتراك يفضلون التدين وعودة المظاهر الإسلامية إلى تركيا.

لذلك تقوم الأحزاب المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري بمحاولة الظهور بمظهر من يكنون للإسلام التقدير في دعاياتهم الانتخابية، رغم التاريخ الممتد لهذا الحزب في العداء للمظاهر الإسلامية، مما يدل على أنهم أدركوا أن المصدر الرئيسي لشعبية أردوغان وحزبه هو الدفاع عن تلك المظاهر.

ولقد وصل التماهي إلى درجة قول كمال كليشدار أوغلو زعيم هذا الحزب العلماني إن “الأذان بالعربية هو قيمة عالمية لديننا الإسلامي، أينما رُفع الأذان في العالم فهو يعبر عن نداء الإسلام”.

وذلك للتخفيف من وطأة تصريح أطلقه نائبه يلماز أوزتورك الذي دعا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى إعادة الأذان باللغة التركية، كما كان يفرضه هذا الحزب قسرًا على الدولة التركية في عقود مضت، ودفع رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس رأسه ثمنًا لإعادته باللغة العربية.

كل الدلائل تشير إلى أن أعداء أردوغان في الخارج والداخل نصبوه حاميًا للإسلام، سواء كان الأمر حقيقيًّا أم لا.

وسوم: العدد 1016