السياسة الأمريكية: أكاذيب وافتراءات وخدع

السياسة الأمريكية مبنية على قاعدة واسعة من الأكاذيب والافتراءات والخدع؛ التي تبرر بها، حروبها وغزواتها، على الدول والشعوب. هذه الغزوات والحروب والاحتلالات كانت نتيجتها؛ الدمار والخراب والتشظي، كما حصل للعراق في بداية القرن الحادي والعشرين بكذبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، افتتح بها كولن باول السنة الثالثة من بداية القرن الحادي والعشرين. واعتقد أن العالم كله بما فيه الأنظمة العربية، وأنظمة الجوار الإسلامي؛ وليس ساسة أمريكا والغرب فقط، كان يعرف أن أمريكا تكذب وأن العراق خال من أسلحة الدمار الشامل؛ وأن هذه الكذبة؛ هي لإيجاد مسوغات غزو العراق واحتلاله وتدميره، وهو ما حصل فعلا، وما زال يعاني منه العراق حتى هذه اللحظة.

ومن الطبيعي أن النظام الرسمي العربي يعرف ويدرك تماما، أن أمريكا تهدف من غزوها للعراق، خلق واقع جديد وبيئة جديدة؛ تمهيدا لما جرى وما هو جارٍ إلى الآن في المنطقة العربية، والمحاولة المستميتة لتمييع القضية الفلسطينية، التي تصدى ويتصدى لها؛ إلى الآن، شبان في عمر الزهور في عمليات بطولية قل نظيرها في التاريخ، تمسكاً بالأرض والقيم والتاريخ.. كما تصدى الشعب العراقي للغزو والاحتلال، في مقاومة فريدة، لا دعم ولا إسناد لها، سواء من الجوار العربي (النظام الرسمي العربي حصريا وليس شعوب العرب) أو الجوار الإسلامي، لذا فهي مقاومة اعتمدت على الشعب العراقي.

هذه الكذبة أو الفرية؛ اضطرت الإدارة الأمريكية وحتى صانع القرار الأمريكي إلى ابتكارها؛ حين سدت جميع المسوغات للغزو والاحتلال، ومن ثم، عملت على تسويقها إعلاميا على نطاق واسع. إن الأكاذيب الامريكية والافتراءات والخدع؛ لا تنحصر بهذه الكذبة وهذا الافتراء فقط، بل إن الولايات المتحدة الامريكية، وعلى طول مسارات سياستها الخارجية؛ تجنح إلى تسويق الأكاذيب والافتراءات والخدع، بطريقة تختفي وراء حقائق واقعية وموضوعية، لجهة متطلبات المعالجة لاستحقاقات حقائق الواقع وشروطه الإنسانية؛ كي تبدو أمام الرأي العام الأمريكي والغربي والعربي والدولي؛ أنها تسعى للعمل على إحقاق الحق ونشر العدل والاستقرار والسلام والديمقراطية وحماية حق الإنسان في الحياة والحرية، والدفاع عن القواعد والمعايير الدولية، في المنطقة العربية وفي الجوار الإسلامي. على سبيل المثال لا الحصر؛ منذ عام 1990 أطلق بوش الأب كذبة أو خدعة؛ العمل على إقامة دولتين في فلسطين المحتلة؛ دول للكيان الإسرائيلي ودولة لفلسطين تعيشان جنبا الى جنب في سلام، وإقامة دولة للفلسطينيين، قابلة للحياة، أي تمتلك مساحة من الأرض، فيها موارد تجعلها قابلة للاستمرار والحياة. لقد مضى أكثر من ثلاثة عقود ولم يتحقق أي من هذه الوعود، بل إن الضفة الغربية والقدس الشرقية تتآكل باستمرار بالهدم والمصادرة لصالح المستوطنات؛ ولم تحرك الإدارات الأمريكية المتعاقبة أي ساكن في اتجاه منع هذه التجاوزات، إلا التصريحات وبالذات من الإدارات الديمقراطية، وهي تصريحات فارغة لا معنى لها ولا تأثير جدي وفاعل على الأرض، بل العكس هو الصحيح. لقد مرت القضية الفلسطينية منذ أن أطلق بوش الأب؛ خدعة حل الدولتين، كحل للصراع العربي الصهيوني؛ بعدة مراحل، من اتفاقات أوسلو التي لم ينفذ أي من بنودها على أرض الواقع، إلا إقامة السلطة الفلسطينية التي ترزح إلى الآن؛ تحت وطأة ولاية الجيش الإسرائيلي، بينما أرض فلسطين تموج بالغضب والانتفاضات المتتالية، ومواجهات متكررة، بين الكيان الإسرائيلي، الذي يستخدم آلته الحربية الجهنمية، التي في أغلبها تصنعها المصانع العسكرية في أمريكا. بينما أمريكا تلوذ بالصمت ولا تحرك ساكنا، إلا بالتصريحات الفارغة من الفعل والتأثير، بل العكس هو الصحيح. كلما يضيق الخناق حول هذا الكيان بالمواجهة المباشرة بينه وبين المقاومة الفلسطينية؛ تهب الولايات المتحدة لنجدته. في الفترة الاخيرة بدأ الفلسطينيون المقاومة بطريقة مختلفة عن طرق المقاومة السابقة؛ بمهاجمة المستوطنين في المستوطنات المقامة على أرض فلسطين، في الضفة والقدس الشرقية، ضمن الحدود الجغرافية التي حددتها اتفاقات أوسلو، تلك الاتفاقات التي تم دفعها إلى قارعة الطريق، الذي يفترض به، قبل سنوات، ان ينتهي بمحطة؛ حل الدولتين.. هذا هو نهج الشعب الفلسطيني في ابتكار وسائل وطرق للمقاومة تنسجم مع الواقع واستحقاقاته، هذه الابتكارات لا أعتقد انها ستتوقف عن الإبداع في اجتراح طرق جديدة عندما يتطلب الواقع على الأرض، هذا التغيير والتحول. لكن، المؤسف هنا؛ هو أن النظام الرسمي العربي، بدفع أمريكي؛ شكّل ويشكّل؛ طوق نجاة للكيان الإسرائيلي عندما يئن جسد هذا الكيان تحت ضربات المقاومة الفلسطينية، وإن كانت بطريقة فردية فاعلة ومنظمة أحيانا، وفي أحيان أخرى، فاعلة ومنظمة أيضا، إنما ليست فردية، بل إنها مجاميع من المقاومين المنظمين؛ تهز أو هزت أمن المستوطنين هزا عنيفا منتجا ولو بعد حين.. من بينها أو في مقدمتها؛ «عرين الأسود».

في الزيارة الأخيرة لوزير خارجية أمريكا للكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية والأردن؛ أكد أهمية التهدئة في المنطقة، وهي محاولة لمساعدة الكيان الإسرائيلي على ضبط الأمن لصالح المستوطنين وأمن المستوطنات، ومن الجهة الثانية أكد الوزير الأمريكي على أهمية حل الدولتين، وهي فرية وخدعة ما انفكت جميع الإدارات الأمريكية؛ التأكيد عليها منذ أكثر من ثلاثة عقود، من دون أن يكون هناك على الأرض أي إجراء فعلي يترجم هذه التصريحات ويحولها إلى واقع على الأرض، هذا يعني أن هذه التصريحات والتأكيدات ما هي إلا خدعة لتمييع القضية الفلسطينية في انتظار تحولات وتغييرات على الأرض في المنطقة العربية، وفي جوارها الإسلامي، وفي السلطة الفلسطينية. إنما، ربما كبيرة جدا؛ أن التحولات والتغييرات المرتقبة والمقبلة، في المنطقة العربية وفي جوارها الإسلامي، وفي العالم، وفي الداخل الإسرائيلي وفي السلطة الفلسطينية؛ قد تكون بالضد من السياسة الأمريكية الإسرائيلية. من المعروف أنه لا يمكن فهم السياسة الأمريكية، بمعزل عما يخطط للقضية الفلسطينية، وعن الهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية وجوارها؛ كقاعدة في ضمان سيطرتها على مقود العالم. على سبيل المثال وليس الحصر، لأن الأمثلة كثيرة في هذا المجال، أي مجال الخدع الأمريكية: اللعبة الأمريكية الأخيرة الخاصة بأموال العراق من مليارات الدولارات الموجودة في البنك الفيدرالي الأمريكي، وهي أموال عراقية تراكمت في البنك الفيدرالي، من بيع النفط العراقي. سيطرة البنك على هذه الأموال بحجة حمايتها، وهي فرية يفندها الواقع؛ فقد سدد العراق كامل التعويضات الخاصة بخطيئة غزو واحتلال الكويت؛ عليه، ليس هناك من مبرر؛ أن تودع أموال العراق في البنك الفيدرالي الأمريكي.. الحكومة العراقية الحالية، لم يمض على تشكيلها سوى ثلاثة أشهر؛ لذا من السابق لآوانه وصفها بأن الفساد سائد فيها. لكن الحكومات التي سبقتها، لها ما لها وعليها ما عليها.. ففي عمل هذه الحكومات يستشري الفساد بطريقة لا يمكن التغطية عليها أو حجبها بغربال، فهذا الفساد واسع النطاق. الولايات المتحدة الأمريكية قامت بما قامت به حتى هذه اللحظة على طريقة كلمة حق يراد بها باطل. إن ما تقول به أمريكا أو ما تسوقه، وتعمل به، على أساس الدفاع عن أموال العراقيين، لم يكن وليد اليوم، بل كما أفصحت هي عنه، كان يجري منذ عدة سنوات سابقة. السؤال هنا لماذا بدأت بهذه اللعبة في هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا صمتت لعقدين من الزمن؟ السبب والدافع؛ هو الشراكة بين إيران وكل من الصين وروسيا، وما يعني هذا من تقويض لنفوذها في المنطقة، وفي جوار المنطقة العربية، وليس حبا بالعراق وشعبه، أو دفاعا عن أموال العراقيين وحماية لها كما تدعي زورا وبهتانا. هذه اللعبة كما غيرها من اللعب الأمريكية، ما هي إلا لترسيخ النفوذ الأمريكي في العراق وفي المنطقة العربية، ولاحقا كما تخطط أمريكا له، من تغييرات، في الجوار الإسلامي؛ في مواجهة التغلغل الروسي والصيني في المنطقة العربية، وفي جوارها الاسلامي، في حركة استباقية قبل ان يتجذر في الأرض العربية وفي جوارها؛ النفوذ الروسي والصيني وبالذات الصيني. كل هذا الذي يجري على الارض، بما فيه من التطبيع المجاني مع الكيان الإسرائيلي؛ ما هو إلا لإحداث التغييرات المطلوبة أمريكيا وإسرائيليا؛ كقاعدة وأساس لتمييع القضية الفلسطينية.. من نظم عربية ونظم في الجوار، وبيئة سياسية، وربما رئيس بديل عن السيد محمود عباس على رأس السلطة الفلسطينية، والأردن ليس بعيدا عن تغييرات كهذه، بل هو في صميمها.. في الختام أقول: إن حساب البيدر يختلف تماما عن حساب الحقل، في ظل عاصفة الشعوب العربية ورياح غضبها العاتية، وبالذات الشعبين العراقي والفلسطيني.

وسوم: العدد 1020