انفتاح على دمشق تحت شعار «اليد اللي ما تقدر تلاويها خاويها»

يمكن تبرير سياسات «الاستدارة» الحكومية العربية نحو النظام السوري، بطرق شتى، سيكون أولها قصة «الحضن العربي»، ومحاولة كسب دمشق للصف العربي بعيدا عن طهران، وهي عبارات تصنف ضمن الكوميديا السوداء، فقد سبق أن استخدمتها الحكومات العربية التي دعمت حكومة بغداد سابقا عندما كانت في أوج سياساتها الطائفية، تحت اليافطة نفسها، التي تستخدم لستر عورة النظام السياسي العربي، العاجز أمام حلف طهران، ببساطة يتعامل العرب الرسميون مع إيران وحلفائها الصاعدين بقوة في المشرق العربي بمنطق المثل الشعبي: «الإيد اللي ما تقدر تلاويها خاويها»!

ما يحصل اليوم في دمشق، هو تكرار للفشل والتخبط العربي في التعامل مع واقع العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وتحديدا من دول المشرق العربي، فمنذ 2003 يتواصل الإخفاق العربي في التعاطي مع تحديات غزو العراق، ولم تمتلك الحكومات العربية المحيطة بالعراق، من دول الخليج وباقي دول المشرق، رؤية محددة وموحدة للتعامل مع «العراق الجديد».

التخبط الشديد في السياسات والارتهان للرؤية الغربية والنظر بعيون واشنطن، أوقع السياسات العربية في تناقضات جمة، فقد دعموا في البداية شخصيات راهن عليها الأمريكيون مثل إياد علاوي وغيره، وعندما تبين ضعف التقديرات الأمريكية بحظوظ شخصيات مثل علاوي والجلبي، انتقلت واشنطن ومعها الحكومات العربية للتعامل بواقعية مع حكام العراق الجدد، القوى الإسلامية الشيعية، وباتت الخيارات تنحصر بين حزب إسلامي شيعي، أكثر قربا من إيران، وآخر أقل قربا منها! لذلك سمعنا عن «الفتى العروبي» مقتدى الصدر، الذي كان سابقا من أكثر الشخصيات المتمردة المكروهة لدى الأمريكيين في العراق، لكن ضيق خيارات وبدائل مواجهة القوى الشيعية التقليدية، حوّل زعيم ميليشيا مذهبية مثل «جيش المهدي» إلى زائر رسمي يستقبل كشخصية رمزية لدى حكومات عربية كانت من أشد المهاجمين له، عندما كان مغضوبا عليه أمريكيا، وبعد أن كان الخيار هو دعم «ثوار العشائر»، أصبحنا نسمع عن أوصاف خلبية تطلق على مقتدى الصدر مثل «الفتى القرشي» الذي يراد كسبه لحضن العرب.

في المقابل وفي المسار نفسه، تقلب الدور العربي الرسمي في سوريا من دعم المعارضة المسلحة والثورة، إلى التطبيع مع بشار الأسد! فعندما كانت المعارضة السورية تتلقى دعما غربيا؛ كان الكثير من الحكومات العربية التي يزور اليوم وزراء خارجيتها دمشق، ترسل الأموال والسلاح للفصائل التي تقاتله، وتهاجم الأسد بوصفه طائفيا تابعا لطهران وتتوعد بخلعه من الحكم. البعض يتحدث عن الزلزال الذي أنقذ الأسد، طيب لماذا لم ينقذ الزلزال نفسه المعارضة في الشمال وهي التي تعرضت مناطقها لأكثر الخسائر البشرية؟ في الحقيقة من أنقذ الأسد هو وحشيته في الحرب، لقد انتصرت همجية الحرب لتمنح نظام الأسد السلام والتطبيع مع من عادوه في الأمس، تماما كما يحصل في لبنان واليمن، بسبب سوء إدارتهم للصراع وتخبطهم وارتهانهم لرؤية من لا يمتلك عيونا تفهم عوائد النزاعات في المشرق، ابتداء من فصائل المعارضة والثورة مرورا بالنظام العربي الرسمي، وكما العادة في بلادنا منذ قرون، يتقلد المستبد العربي وشاحه فوق آلاف الجماجم. تقول منظمة «هيومان رايتس ووتش»، في تعليق مقتضب لها على التطبيع العربي المتسارع مع العدو السابق: «بدأت دول مثل السعودية وحتى تركيا، التي عارضت حكومة الأسد بشدة سابقا، في التلميح إلى استعدادها لتوثيق العلاقات مع سوريا، رغم انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة والممنهجة، وقلة المساءلة أو انعدامها عن الكم الهائل من الجرائم المرتكَبة. بينما وثّقت دول أخرى مثل الأردن والإمارات علاقاتها معها بالفعل».

وسوم: العدد 1022