في تفسير أقدار الله سبحانه وتعالى ... وترجمة أفعاله

(وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)

ونؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى. ونؤمن أن القدر هو فعل الله في كونه وفي خلقه. رب العالمين.

ونؤمن أن الله واحد في ذاته، واحد في أسمائه، واحد في صفاته، واحد في أفعاله. وأننا لا نحيط بشيء من علمه إلا بما شاء. وأننا نحن، البشرَ المكلفين المتعبدين، كثيرا ما نستعجل؛ فيختلط علينا أمر الخير وأمر الشر (وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا)..

ونؤمن أن الذين يفسرون أقدار الله بأهوائهم أو بمبلغهم من علم وقتي محدود، لا يوقنون. ونؤمن أن الله يبتلي الأخيار والأشرار، والمؤمنين والكفار، والصالحين والطالحين.؛ وأن من أمر البلاء كما أخبرنا عنه سيدنا ونبينا صلى الله وسلم عليه "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه" على قدر دينه، وأن الضيق والشدة والألم ليس دائما عذابا، وأن السعة أو العافية قد تكون استدراجا.

ونؤمن أن البلاء الذي أنزله مشركو مكة بسيدتنا سمية وسيدنا ياسر وعمار وخباب وبلال وزنيرة وغيرهم من المستضعفين من المسلمين... لم يكن لذنب أذنبه أولئك البررة، وإنما كان ابتلاءَ تكريم، وأننا لم ننجُ من أيدي الظالمين، يوم نجونا، لا بحولنا ولا بطولنا ولا بقوتنا ولا بصلاحنا، وإنما نجونا بفضل الله علينا ورحمته بنا، وأنه علم أن فينا ضعفا، وامتحن إخوةً لنا بأنواع البلاء، امتحانَ تكريم ورفعَ درجات، وأنه لم يسلط حافظ الأسد ثم بشار الأسد علينا وعليهم لأنهم مذنبون عصاة، بل لأنهم – إن شاء الله ولا نتألى على الله في أحد منهم- مؤمنون تقاة..

ونحن أكثر أدبا مع الله من التألي عليه، وتفسير أقداره، ولو وقفنا أمام مليون حالة من المصابين بالمرض الخبيث مثلا، لكان لكل حالة في كتاب الله حامل ومحمول، يستعصي حلّ لغزه على العقول. مرض يصيب المسلم وغيره، والصالح والطالح، والمصلح والمفسد، والكبير والصغير، ييتم الطفل، ويرمل المرأة والرجل، وفي كل مرة نقف أمام أقدار الله متأدبين نقول على وجه الدعاءـ وليس على وجه التقرير: كفارة أو طهور.. ونقول أخرى رفع درجات، ومضاعفة حسنات... وفي مواطن كثيرة لا نعرف كيف نقول، فنلوذ بحسبنا الله ونعم الوكيل.

وهؤلاء الذين قضوا في الزلزال – في جندريس وفي حلب وفي حارم وسلقين وفي عنتاب وانطاكية ومرغش- ليسوا هم الأضعف يقينا، ولا الأقل دينا، ولا الأقل سعيا في الخيرات فينا أو بيننا؛ لا بين الأمم والشعوب، ولا بين الفئات والجماعات، لا السوريون ولا الأتراك ولا غيرهم من بقية الأجناس!!

وأكرر وأؤكد وأقول: إذا صحت منا العقول صحت الأديان. وإذا صحت الأديان صحت العقول, والعقل في الإسلام مناط التكليف، وإذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب...

هؤلاء الأطفال الذين قضوا تحت الأنقاض، ليسوا جميعا – ولا نتألى على الله، ولا يجوز أن ننسى هذه الكلمة في أي موقف- من طراز الغلام الذي قتله الرجل المعلّم في سورة الكهف، بل فيهم إن شاء الله الفَرَطُ والذخرُ والشفيعُ، والسِّقط الذي يظل محبنطئا بباب الجنة حتى يدخلها أبويه إن شاء الله...

وهؤلاء الأطفال الذين سيستصحبون اليتم وذلته، بقية حياتهم، لم يصابوا به لأنهم كانوا ظالمين أو مذنبين، كيف؟؟ وهذا سيد الخلق ولد يتيما عاش يتيما، آواه أحد أعمامه، ونبذه آخر كما تعلمون..

من الجرأة على الله أن يعتبر الإنسان نفسه مترجما عن الله. وكلنا تحت سلطان القدر مستسلمون، نؤمن بطلاقة إإرادة ربنا وقدرته، ونؤمن أننا مكلفون مسؤولون ، وأنه تعالى جد ربنا، منزه عن ظلم. نستسلم استسلام الطائعين، ننزه ربنا عن الظلم، وننفي عن أنفسنا الجبر، ونعلم أن ربنا لا يُسأل عما يفعل، وأننا في الدنيا والآخرة عن أعمالنا نسأل (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1022