اختلاف الحرب الحالية التي تواجهها إسرائيل عن حروبها السابقة سينهي المشروع الصهيوني

تمتعت إسرائيل في حروبها السابقة بميزتين حاسمتين  ، الأولى أنها دارت خارجها بعيدا عن مستوطنيها ، والثانية الإجماع الداخلي عليها بتقدير أنها حروب دفاعية وأن النصر فيها مضمون . ما تواجهه الآن مختلف عما سبق وإن رأت فيه دفاعا عن كيانها في مواجهة ما تسميه الإرهاب الفلسطيني وإرهاب حزب الله . وشهدت الأيام الماضية ذروة عالية من هذا النوع من الحرب ، مع التجاوز في دقة المصطلح ، حين أُطلقت على شمالها صواريخ كاتيوشا وجراد من جنوب لبنان اتهمت حماس بإطلاقها . وهوت فوق رأسها طامتان في يوم واحد ، يوم الجمعة ، حيث قتل مقاومون فلسطينيون مستوطنتين شقيقتين ، وأصابوا أمهما إصابة خطيرة تركتها بين الحياة والموت ، وقام فلسطيني من كفر قاسم هو يوسف أبو جابر بعملية دهس في تل أبيب جرح فيها أربعة مستوطنين جراحا متفاوتة ، وقتلت الشرطة الإسرائيلية سائحا إيطاليا حين أطلقت النار على  يوسف الذي استشهد في الحال . وإسرائيل في محنة معقدة موصولة من هذا النوع من الحرب الذي يتفجر خطره ولهبه في قلبها ، ويرعب مستوطنيها ، ويفقدهم الثقة في قدرتها على تأمينهم ، ويحض بعضهم على مغادرتها . وهو مرعب حقا ، ويستحيل توقع مصدره . قد يفاجئهم في الشارع أو في محلات التسوق أو في البيوت . وقد يأتي من صاروخ أو قذيفة هاون من غزة ، فيزعزع أمن مستوطني غلافها ، ويدفع الحكومة إلى أمرهم بدخول الملاجىء أو البقاء قريبين منها . وحالهم في الضفة والقدس شبيهة بحالهم في غلاف غزة وفي الداخل المحتل . وترد إسرائيل باجتياحات لجنين ونابلس ، وتقتل هنا وهناك في سائر الضفة والقدس ، وهاجم طيرانها ومدفعيتها  قطاع غزة من شماله إلى جنوبه مرورا بوسطه ، والمقاومة لا تخاف ، وترد الضربة بالضربة ، وتجيب التهديد بالتهديد ، وإسرائيل عاجزة حائرة ، وتشعر بانتهاء زمن ردع الأعداء ، زمن الحروب السريعة السهلة المختومة بالانتصار وعنفوان الثقة بالنفس ، زمن الحروب خارج الحدود ضد  جيوش مكشوفة مهلهلة في جبهات مفتوحة . ولا ينفع إسرائيل في النوع الحالي من الحرب أي مؤازرة خارجية عملية . ماذا تفعل لها أميركا حاميتها الأولى والكبرى في مواجهة فرد يطلق النار مثلا في تل أبيب  والقدس أو يقوم بعملية دهس  أو طعن ؟! وماذا يفعل لها تعاونها الأمني  الوثيق مع بعض دول الجوارالعربية  ؟! رابين أجاب من قبل عن السؤال في ذروة زخم العمليات الاستشهادية : " ماذا أفعل لمنع إنسان عزم على الموت ؟! " . ويطغى الانقسام عليهم . المعارضة بقيادة لابيد تتهم بن غفير وزير الأمن القومي في حكومة التطرف والجنون بإشعال التوتر بسبب اقتحامات الأقصى والاعتداء على المعتكفين ؛ يقول :" كل من أوكل الحرم القدسي لابن غفير كان يعلم أن الأمر سيؤدي إلى كارثة . " ، والمقصود رئيس الوزراء نتنياهو الذي زعم قبل حين قصير أن بن غفير كان في أدائه في وزارته عند حسن تقديره . وتطرح أجهزتهم الأمنية والاستخبارية الاغتيال  لبعض  قادة المقاومة مثل يحي السنوار والعاروي حلا لمحنتهم  القائمة ، وهو حل يائس لا فائدة حقيقية دائمة منه . القضايا الوطنية الكبرى للشعوب لا تموت باغتيال بعض قادتها ، والشعوب العازمة على تحرير وطنها من مغتصبيه لا تحبطها هذه الاغتيالات ، ودائما تمتلك رصيدا لا ينفد من ذوي القدرة والشجاعة على مواصلة الاندفاع في طريق التحرير ، ودائما تفوز ويخسر المغتصبون لكونها تقف في الجانب الحق والصواب ، ويقف أولئك المغتصبون في الجانب الباطل والخطأ . والاغتصاب الصهيوني للوطن الفلسطيني باطل وخطأ فاحشان ، ولن تجلب له الحق والصواب أي قوة عسكرية . والطريق الأسلم والأنجى لمستوطني هذا المشروع الاغتصابي المعتدي أن يقروا ببطلان مشروعهم وخطئه . ولا منجى لهم في حل الدولتين ولا حل الدولة الواحدة ، فما حالهم ومآلهم وهم يصرون على حل الدولة اليهودية الواحدة الخالصة بين النهر والبحر ؟! لا مكان لهم في فلسطين التي يتدفق زخم كتلة شعبها البشرية داويا مزبدا . غزة في كل فصل ، كل ثلاثة أشهر ، تنجب 13 ألف مولود جديد ، وماذا عن الضفة والقدس ؟! وماذا عن فلسطينيي الداخل المحتل ؟! وفي هوة يأسهم الحالي في محنتهم الأمنية التي يصنعونها بتوحشهم وعنادهم وسوء نيتهم ؛ طلعت بينهم دعوات لتنظيم احتجاجات تطالب بالانسحاب من الضفة . هذا ما تحدث عنه في صحيفة "يديعوت أحرونوت " أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا أوري سيلبير شايد   . الدعوات في مطلعها ، وإنا لمنتظرون مع وعينا أن هذه قضية كبرى ومعقدة لخطورة أبعادها على المشروع الصهيوني برمته . والواقع الأحادي الحاد أن إسرائيل حاليا في محنة كبرى لمواجهتها حربا خلت من الميزتين الحاسمتين التي تمتعت بهما  في حروبها السابقة . ولكل نوع من الحروب منتهاه  الذي  يليق  به . والحرب الحالية القابلة للتواصل منتهاها تحرر  الوطن الفلسطيني ، واختفاء المشروع الصهيوني . 

                                *** 

*نقلاً عن صحيفة "معاريف" : زادت طلبات الدعم النفسي من مستوطني غلاف غزة في جو التوترات  الحالية بنسبة 100% . ما أسرع ما تبلغ قلوبهم الحناجر ولو من صوت رصاصة ! 

في مستهل الحرب الروسية الأوكرانية طلب 15 % من مستوطني إسرائيل دعما نفسيا بعد أن شاهدوا بعض صور أحداث الحرب .  

وسوم: العدد 1027