حين تزحف الرخويات في سوق الملح

تغير موقف كثير من الماركسيين الصلبين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فبعد أن فقدت الحركة الشيوعية العالمية ظهيرها المادي العدواني القوي، تحول كثير من المثقفين الديالكتيكيين إلى ليبراليين رخوين، لا لون ولا طعم ولا رائحة..

يشكل الظهير المادي لكل الحركات العملية نقطة ارتكاز، وعامل دفع، وحافز طمع، ونافذة أمل، ويصح هذا على جميع الحركات بدون استثناء. أعني الكيانات المتسربلة بعالم الأفكار الزاهي الجميل.

احتفظ الماركسيون العرب منهم بشكل خاص، من الماركسية فقط بكفرها الرخو المنتن، وبالأخص في عداوة الشيوعيين للإسلام والمسلمين.

وعندما قال ماركس مقولته المشهورة "الدين أفيون الشعوب" كانت عيناه معلقتين، بدين يأمر البسطاء بالصبر، ويعدهم بالنعيم، عوضا عن الرضوخ، ولم يكن يقصد، الدين الذي ينادي في الناس "عجبتُ لمن جاع ولم يشهر سيفه"

على كل تمسك الماركسيون المنقلبون على ماركسيتهم، بإلحادهم، وغرقوا كما نتابعهم اليوم دعوات مائعة، بلا مشروع، إلى ليبرالية، تعتمد في أفضل ما تعتمد ديانة السوق…!!

وبالمقابل..

واليوم خين تُفرض على الاسلام والمسلمين هذه معركة ظالمة حاقدة، من الجهة التي اسقطت الماركسية نفسها،

حين تفرض على الإسلام والمسلمين؛ معركة قيمية خالدة من قبل "ديانة السوق المتوحشة" يحصل الأمر نفسه في الصف الاسلامي مع الأسف، فيتحول بعض المتثقفين بثقافة الإسلام اللفظية، إلى ليبراليين مائعين زائغين، فتظنهم كلما استمعت أو قرأت لهم، في الموقف الماركسي الحرج نفسه، يبحثون عن قشة نبتت في حقول محاربيهم ليتعلقوا بها..

في حالة وصفها الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ)

مسلم بلا هوية..

مسلم بلا لون ولا طعم ولا رائحة..

مسلم يراهن على كل شيء..

مسلم مستعد للتوقيع على كل شيء

والرضوخ لكل عصا، ويظل يغني "ما أحلى الرجوع إليه، إليه.. إليه.." فكأنه لا صلى ولا صام ولا كانت له قبلة يوما، ولا علم معنى "لا إله إلا الله" يوما..

مسلم يمزج ألوان الطيف، فيصبغه بصباغ اللحظة..اللحظة التي هو فيها، إن شئتم أحمر أو أصفر أو أسود..

يبتغي العزة أو الجاه أو الوصول،عند قوم، وينسى أن العزة لله جميعا..

الفرق بين الماركسي ذاك وهذا "المسلم" أن الماركسي بانكسار نقطة ارتكازه، أصبح مثل نجم فقد مداره فابتلعه ثقب أسود، وأن المسلمين الذين فقدوا دولتهم منذ مائة عام، ما زالوا في الميدان يصاولون، لم يكسرهم مبشر بدين ماركس ولا لينين، ولن يكسرهم كهنة ديانة السوق، حيث يعرض، كل ما يباع…

بل ما زال المسلمون، وإن انكسروا في جولة أو جولات؛ في مصافات كثيرة ينتصرون وينتصرون وينتصرون..

حتى اختراع مدارس التطرف، وتغذيتها وتنميتها وتصليبها، لم يفتّ في عضد أمة الإسلام، فكيف ستنجح في ذلك طبقة الرخويات تزحف في سوق ملح العالم!!

في عصر العولمة الجميل ننادي على ملح العالم في هذا العالم…

يا ملح العالم…

و ليس فقط يا ملح البلد..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1030