ما تقوله إسرائيل وتفعله آيات احتضار لا آيات اقتدار

ما من دولة في العالم في حالة هذيان موصول عن الأمن والحرب والأعداء والبقاء والفناء ؛ سوى إسرائيل . تتفوق في هذيانها حتى على دول قد تكون في حرب حقيقية مثل روسيا وأوكرانيا الآن . وعلة هذه الظاهرة المتفردة أن إسرائيل دولة اصطنعت في أرض لا علاقة حقيقية لمستوطنيها المتعددي الأعراق والثقافات واللغات بها ، وأن أهل هذه الأرض الحقيقيين ما زال ثمانية ملايين منهم يعيشون فيها ، وأنهم مع سبعة ملايين من شعبهم المشرد منها مصممون على تحريرها من أخلاط المستوطنين الغازين ، وإسرائيل تحارب هذا التصميم بالسلاح طامحة إلى  انتصار مستحيل عليهم. ومن المظاهر العملية لهذيان إسرائيل أنها لا تخلي سبيل أي سانحة لمهاجمة من تستطيع مهاجمته من أعدائها ، ولا تحجم في هذا عن قتل النساء والأطفال ، وبعد قتلهم تتحدث عن فحص ظروف هذا القتل إيهاما بأنه حدث دون قصد . ودائما تقترف ذات الجرائم ، ودائما تنفي القصد فيها . وأحيانا تتهم البريء الذي قتلته بأنه أثار شبهة الاعتداء على جنودها أو مستوطنيها .ويكفي وجود سكين في يد فلسطيني في لحظة ما لقتله . وأيدي جنودها ومستوطنيها لا تفارق أزندة الأسلحة ، ومن يده على الزناد سريع المبادرة إلى إطلاق النار . إنها حالة نفسية تشبه حالة من يحمل عصا . يشعر في داخله أنها وسيلة ضرب ، وإن لم يجد من يضربه يضرب حذاءه الشخصي ضربات خفيفة بين دقيقة وأخرى . وإذا اجتمع مع هذه الحالة النفسية نية عدوانية فما أسرع القتل وأسهله ، وهو ما يفعله جنود إسرائيل ومستوطنوها بالفلسطينيين . ويحوم الإسرائيليون قولا وعملا في حلقة هذيانهم المغلقة  . مرة يهددون حزب الله ، ومرة يهددون إيران ، ومرة يهددون غزة ، ومرة يهددون الضفة ، ومرة يهددون فلسطينيي 1948 ، ومرة يهددون كل أولئك دفعة واحدة ، وأحيانا ينفذون أحد تهديداتهم متى التقطوا سانحة في ثغرة ما .وكل تلك التهديدات تزدحم بها أفواه السياسيين والعسكريين والأمنيين والمستوطنين والإعلام . وإذا سكنت المثيرات الأمنية عادوا إلى الماضي ، فكشفوا عن عمليات سرية نفذوها ، أو خططوا لها وأحجموا عنها في آخر لحظة لسبب ما . وقبل يومين ، كشف زوهر بالتي مدير الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية ، في لقاء مع عاموس هرئيل محلل الشئون العسكرية في " هآرتس " عن إلغاء هجوم عسكري إسرائيلي ، في آخر لحظة في 2012، لتدمير منشآت إيران النووية ؛ خوفا من رد إيراني انتقامي مدمر بالصواريخ . وفي الأحداث الجارية الآن مع غزة ، هدأ كل شيء بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية 104 من الصواريخ والقذائف على مستوطنات الغلاف ثأرا لاستشهاد خضر عدنان مضربا عن الطعام في اعتقاله الإداري الظالم غير القانوني . وردت إسرائيل بقصف عدد من مواقع المقاومة ، ولم يرضِ ردها مستوطني الغلاف ، وسواهم من مستوطني الداخل ، وغضب منه وزير الأمن الوطني بن غفير ، ووزير المالية سموتريتش ، فاغتالت إسرائيل ثلاثة من قادة سرايا القدس مع أسرهم ، فشعر كل الإسرائيليين بأن ردعهم في عافية ، لكن أفسد عليهم رعبُهم من انتقام المقاومة شعورَهم الفوري الصبياني الأهوج ، وسارعت حكومتهم بإغلاق الطرق في الغلاف ، وأمرت المستوطنين بولوج الملاجىء ، وتدفق الرعب فنقلت مئات الأسر إلى الداخل وإلى فنادق  في منطقة البحر الميت ، وأوقفت حركة الطيران في مطار بن جوريون ، وأجج تأخر رد المقاومة نار الرعب لديها قيادة ومستوطنين ، ووقوع البلاء أهون من انتظاره ، وأياً كانت علة تأخر رد المقاومة الذي جاء ظهيرة أمس ، الأربعاء ، فقد كان ضربة معلم دفعت نتنياهو للاجتماع بجالانت وزير الدفاع لبحث تلك العلة ، ودفعت كل إسرائيل للتساؤل الحائر الممض : " إلى أين نحن ذاهبون ؟! " . وسيل الأحداث يتدفق زاخرا بكل التوقعات . وحتى كتابة هذا المقال ، أصيل الأربعاء ، أطلقت المقاومة في ردها الذي سمته " ثأر الأحرار " 270 صاروخا طال بعضها  تل أبيب . والمقاومة معاندة متحدية ، ويظهر عنادها في مطر صواريخها ، وفي بيان غرفتها المشتركة .  وردها العسكري ، وبيان غرفتها حطما حلم إسرائيل بالفصل بين حركتي حماس والجهاد . وأصوات القصف المتبادل تهز الجو إذ أكتب المقال ، ويخالط صوت الزنانات التي لم تبارح سماء غزة ليل نهار منذ أيام ، وقبل جريمة اغتيال القادة الثلاثة وأسرهم . ومن الصدف الدالة على كثرة عدوان إسرائيل على غزة أن انفجار القتال ، في العاشر من مايو الحالي يوافق يوم وشهر انفجاره في معركة "سيف القدس " في 2021 . وتحرك إسرائيل الوسطاء لوقف القتال ، والمقاومة تواصله عقابا لها  على بدئه  .وحتما سيتوقف ، وستكون إسرائيل خاسرة مخزية ، وسيكون في قلوبنا أسى كبير على الأحباء الذين قتلتهم ، والعزاء عظيم أنهم شهداء بإذن الله _ تعالى _ والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون . ولن تتوقف إسرائيل عن الحومان في دائرة هذيانها قولا وعملا عن الحرب والأمن والأعداء والبقاء والفناء حتى تلفظ نفسها الأخير الذي لا مهرب منه والذي يدل عليه ما تقوله وتفعله حاسبة إياه علامات اقتدار ، وهو في الحق علامات احتضار .  

وسوم: العدد 1031