المعارضة السورية هل تستعيد الحميمية البينية ؟!

المعارضة السورية هل تستعيد

الحميمية البينية ؟!

زهير سالم*

[email protected]

كنت سأكمل مقالي عن الدولة السورية المنشودة : إسلامية ..أو مدنية ..أو علمانية ؟! ولكن فرضت هذه الأفكار نفسها عليّ كمدخل أساس لذلك المقال ..

يعج فضاء المعارضة السورية السياسية والثورية اليوم بعشرات الألوف من الأشخاص والأصوات ؛ ولكن هذا لا ينسينا أن نذكر أن شتاء طويلا عشناه كسوريين معا يوم كنا لا نسمع في فضاء المعارضة السورية إلا أصواتا محدودة أو عشرات الأصوات . كنا ندرك يومها أن المعارضة والثورة كامنة في نفوس السوريين وفي عقولهم وقلوبهم كمون النار في حجره كما يقولون . ولكن حصاد الأصوات بين الداخل والخارج كان محدودا .

في ذلك الشتاء الذي دام عقودا وليس فصولا ، كنا كمعارضين سوريين نتدفأ ، بعضنا على أسماء بعض . أو دعوني أعتبر هذا بوحا شخصيا فأقول :  كنت من الذين يتدفؤون على كل إيماءة أو إشارة أو كلمة تصدر عن معارض . وأحيانا كنا نفعل بكلمات بعضنا كما نفعل كنقاد أدبيين بمعلقات كبار الشعراء ، نحملها كل ما نشتهي أو نحلم ...

وكنا إذا مرّ بنا حيث نكون معارض من أي هوية أو إيديولوجية ( سياسية أو فكرية ) نحتفي به ، ونلتف حوله كما سمار الشتاء حول الموقد ، نستمع إليه ونصغي إلى كل حرف يقول . لم يكن ذلك أبدا متصنعا ولا مفتعلا . كنا جميعا نحلم بسورية منتدى للحرية يلتقي أبناؤها ويعبر كل شخص منهم عما يريد .

 كنا نشعر أننا – كمعارضين سوريين - أبناء أسرة واحدة ، يجمعنا هدف مرحلي واحد . وكان هذا الهدف المرحلي يسد الأفق أمام أعيننا فلا نرى عن إرادة وقصد وتصميم ما وراءه . كنا نريد دولة سورية تقوم على دستور حقيقي ويسود فيها القانون . وكان الأكثرون ينظرون بريبة شديدة إلى كل من يتساءل عما بعد الهدف المرحلي ، ولاسيما إذا كان صاحب هذا التساؤل من الرموز المعلَّمين . وعندما كان هذا يصدر عن بعض القواعد الحزبية كانت تؤخذ بالتوعية والترشيد . ( ليس وقته ) ( نحرز الأرض ونحرثها ثم نتوافق على نوع البذار : حنطة أو شعير ) ..

أولوية تناساها من يريد اقتسام جلد الدب قبل صيده اليوم .

 الأسماء التي أحفظها من ليالي الشتاء تلك ما يزال لها مكانتها في نفسي . نختلف ونتفق نعم ، ولكن ما يزال الصوت يحتفظ بدفئه . أحيانا يصدر عن بعض هؤلاء كلمات أقدر أنها غريبة عن عقولهم التي خبرتها وأنها مجرد نفثات لها دواعيها ، وافقت أو خالفت .

 بعض أصحاب هذه الأصوات لقيته وجالسته وتعرفت عليه وسامرته ، وبعضهم تعرفت عليه من خلال ما كتب وما قال وما فعل ..

لا أريد أن أذكر أي أسماء لأنني لن أستطيع الإحاطة ، لا أريد أن اخص أو أنسى . وإنما أريد أن أذكر واقعة معبرة من السيرة النبوية يوم كان الرسول الكريم يقوم لإحدى النساء محتفيا ويقول : إنها كانت تأتينا أيام خديجة . بهذه النفسية أذكر وأصغي لكل ما يقول وما يفعل أي معارض كنا نعارض معه في ذلك الشتاء الطويل ...

أحيانا تنتبزني بعض الأصوات : كيف تواصلتم أو التقيتم مع .. ، ويذكرون ما شاء لهم أفق لحظتهم من الأسماء . هم يظنون أن الفعل المعارض قد بدأ بهم وحط عندهم وأن سورية بدورهم أصبحت ( قمرة وربيع ) . إن الذين أدلجوا وسروا بشعلة المعارضة السورية في تلك الليالي الشاتيات  غابوا أو حضروا ماتوا أو ما زالوا ينتظرون هم أصحاب سابقة في قلوبنا ونفوسنا أو هكذا يجب أن يكونوا ..

واليوم وهذا خطاب لكل أولئك الأصدقاء العقلاء النجباء ، ولكل من يريد أن يلحق بهم : لا أريد أن أقول علينا أن نتجاوز خلافاتنا . فخلافاتنا هي الأصل الذي ثرنا للمطالبة بحمايته واحترامه . كل الذين أريده أن نستعيد نظرة الاحترام المتبادل . وتلك اللغة الحميمية التي تعودنا أن يتحدث بها بعضنا عن بعض ، وأحدنا عن الآخر .

 يركب أحدنا أحيانا في طائرة ، وتكون الرحلة طويلة ، فيرى أن ينشئ بعض الخصوصية بينه وبين جاره في المقعد . وهذا وطن نعيش معا فيه . وإذا قال البعض الرحلة طويلة سأقول له إن العمر قصير . كمواطنين سوريين عقلاء ومتمدنين أقترح أن نعيد بناء علاقتنا على التي هي أحسن ، وأن نحتوي خلافاتنا كما يحتوي خلافاتهم كل قوم متحضرين ..

قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أحب فلانا ، قال له الرسول الكريم : اأخبرته ؟ قال : لا ، قال قم فأخبره ...

أيها السوريون الرافضون للظلم والقتل والطالبون للعدل والمساواة إني احبكم جميعا ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية