أحداث إسرائيل.. تحولات واحتمالات ومآلات

 في استطلاع صحيفة " معاريف " الأسبوعي الأخير أن 58 % من مستوطني إسرائيل يتخوفون من حرب أهلية يؤدي إليها الخلاف المحتدم منذ تسعة وعشرين أسبوعا حول تغيير منظومة القضاء بين حكومة نتنياهو المؤتلفة من أحزاب دينية وقومية متشددة وبين القوى العلمانية الليبرالية ، وأن 22 % من أولئك المستوطنين يريدون الهجرة إلى الخارج ، وأن 4 % منهم قرروا الهجرة فعلا ، ويوشكون أن يحزموا حقائبهم . وظهرت حركة جديدة باسم " حركة الانفصال " أسسها قبل شهر نيتسان عاميت تدعو إلى تقسيم إسرائيل إلى دولة دينية ودولة علمانية ، تتركز الأولى  في القدس وبئر السبع وبني براك وأسدود وبيتح تكفا وعسقلان ، وتتركز الثانية في مرتفعات الجولان والجليل الأعلى وحيفا وتل أبيب ونتانيا وريشون ليتسيون ، وتحمل اسم " إسرائيل الجديدة " ، وسيكون سكانها حوالي 5 ملايين ونصف المليون ، والعدد يؤكد أن العلمانيين أكثرية غالبة في إسرائيل . ويقول عاميت في تقرير لمراسل " معاريف " ترجمه موقع " عربي 21 " إن : " ردود الفعل التي تلقتها الحركة حول برنامجها التقسيمي لافتة  ، فهناك قفزة مجنونة في عدد المتابعين لصفحتنا على شبكات التواصل . معظم اليهود الذين سمعوا عن البرنامج داعمون للغاية . تلقيت مئات الرسائل من يهود يريدون التطوع والتبرع ، ويخبروننا أنهم حقا انتظروا هذا الشيء . واتصل بنا عدد من قادة الرأي العام مهتمين جدا بالنموذج بمن في ذلك كبار المسئولين في الاقتصاد رغم أننا حركة موجودة منذ عدة أسابيع فقط . " ، ويضيف أن الحركة " بصدد بناء خطة عمل تشمل المؤتمرات ، وتجنيد النشطاء ، ومناشدات لعامة الناس وصناع القرار. " . ويعترف   بأنه أسس حركته بعد إدراكه أن " دولة إسرائيل تسير نحو الهاوية . " ، فهو يريد تداركها بهذه الحركة  . وفي سيرته المهنية انه خريج المدرسة العسكرية الداخلية للقيادة ، وضابط في قوة المظليين . وتحدثت عنان ليف في " يديعوت أحرونوت "  عن حزنها وصدمتها حين رجعت إلى البيت فوجدت زوجها منهمكا في متابعة صفحة حركة الانفصال التي تدعو إلى دولتين ، إحداهما دينية " تدوس على حقوق النساء ، وتنقطع عن الغرب ." ، وكانت قبل رجعتها مرزوءة القلب باكية العين من رفض صاحب مطعم شاورما  دخولَ عدد من رجال الشرطة لتناول غدائهم عنده معتلا بأنه لا يريد رؤية شرطة الحكومة الحالية في مطعمه . ويهيب جانتس رئيس " حزب المعسكر الوطني " بيائير لابيد رئيس " حزب يوجد مستقبل " ويوآف جالانت وزير الدفاع لتكوين ائتلاف يعمل لإبعاد بن غفير وزير الأمن القومي ، وسموتريتش وزير المالية من الحكومة ! وبإهابته هذه يحرض جالانت على نتنياهو وائتلافه . وفي ضربة قاسية للحكومة ، استقال أساف تسلئيل مدير عام وزارة  التربية والتعليم من منصبه محتجا على ما يجري في النظام القضائي ، وربما تلي استقالته استقالات مسئولين آخرين في الوزارات  المدنية لنفس السبب . وكل أخبار إسرائيل الداخلية تغم قلبها وتوجعه ، وتشرح قلوبنا وتفرحها . إنها تجتاز عواصف تحولات ووميض احتمالات منهكة تنذر بمآلات مهلكة ، ولا منقذ لها منها داخليا ، ولا بجولة قتال في الجوار . انعدم زمن الحروب وجولات القتال المنقذة من أزمات الداخل ومحنه . وأميركا الحامية الحاضنة تتابع ما يحدث ، وبايدن الصهيوني لن يدع إسرائيل تتحطم وهو الذي قال إنها لو لم تكن موجودة لكان على أميركا إيجادها غافلا عن دور أميركا في إيجادها وحماية وجودها عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا وماليا ، وفي الحماية المالية العظيمة الأهمية منحتها حتى اليوم 300 مليار دولار . وهي تعمل الآن على إنقاذها من الخارج بعد تعسر الانقاذ من الداخل . وسيكون ذلك بتطبيع قريب مع الرياض قبل استفحال  محنتها الداخلية واستهوالها . ويخبر توماس فريدمان في " نيويورك تايمز "  أن بايدن أعطى الضوء الأخضر لفريقه لبحث ذلك التطبيع ، وأن زيارة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي ، وبريت ماكجيرك مسئول شئون الشرق الأوسط ، الخميس الماضي ، لجدة  غايتها مناقشة مسألة التطبيع ، وسبق لسوليفان مناقشتها هناك . ومحور المناقشات الثمن الذي تريده الرياض لتوافق على التطبيع ، وذكر مرارا أنه معاهدة أمنية تتعهد فيها أميركا بحماية بلاد الحرمين كأنها عضو في الناتو ، وبيعها أسلحة متطورة ، والسماح لها بمفاعل نووي للأغراض السلمية تشرف عليه أميركا ، وهذا ليس ثمنا كبيرا لتطبيع مع دولة في مكانة بلاد الحرمين الدينية سيمهد لتطبيع أغلبية الدول الإسلامية علاقاتها مع إسرائيل ، وكل الأحاديث بين أميركا والرياض وإسرائيل عن كبره وصعوبة دفعه أميركيا وإسرائيليا متفق عليها بين الأطراف الثلاثة لبيان عظم ما كسبته  الرياض مقابل  التطبيع مع إسرائيل ، والأخيرة هي الكاسبة الكبرى منه ، وأمس ، الجمعة ، قال بايدن إن اتفاق التطبيع هذا ربما يكون في الطريق بعد زيارة مستشاره للأمن القومي لجدة يوم الخميس.   والحديث عن خطوات لصالح الفلسطينيين في صفقة التطبيع المقتربة ليس سوى غبار وأوهام ستنقشع سريعا بعد إعلان هذه الصفقة  . أما كيف ستنقذ الصفقة إسرائيل من محنتها الداخلية فسيتم بعرضها للإسرائيليين المتناحرين بصفتها انفتاحا عربيا وإسلاميا شاملا عليهم يبشر باستقرار وازدهار إقليمي سيكون لهم منه نصيب عظيم ، وأن من الحمق الفاحش والجنون المروع الانشغال بقضية داخلية عنه ، وستعمل أميركا على التوصل لحل وسط بين المتناحرين الإسرائيليين لا يقتل الذئب ولا يفني الغنم . والفرح والظفر والأمل تشرح الصدور ، وتيسر حل تعقيدات الأمور . وسيتدفق اليهود على بلاد الحرمين برا وجوا وبحرا ، وسيكون تدفقهم على الإمارات بعد التطبيع معها صغيرا موازنة بتدفقهم على بلاد الحرمين . وعندئذ سنتذكر كلمات بن جوريون  : " حين نقع في مشكلة يساعدنا العرب في حلها . " . وسيكون الحل العربي الأخير لمشكلتهم الحالية المستعصية مؤقتا ، فلا حل نهائيا لمشكلتهم الأساسية مع الفلسطينيين إلا بزوال دولتهم من الأرض الفلسطينية . والشعوب العربية والإسلامية المقموعة لن تتقبل يوما هذه الدولة المغتصبة القاتلة .

وسوم: العدد 1043