اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين .. من شابه أباه فما ظلم

ترتفع هذه الأيام في إسرائيل أصوات أمنية وحزبية تحذر من اتساع اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة . رونين بار رئيس الشاباك حذر نتنياهو من هذه الاعتداءات واصفا إياها ب "الإرهاب اليهودي " ، وبيني غانتس وزير الدفاع السابق وعضو الكنيست الحالي قال نفس الشيء . وهذه التحذيرات ليست حرصا على الفلسطينيين وحبا لهم . حرص على المستوطنين وحب لهم ، ومحافظة على أمن إسرائيل ، وقلق من انشغال جيشها بالأحداث في الضفة والقدس عن مهامه الأخرى ، ومنها متابعة تدريب وحداته وفق الجداول المعدة لكل وحدة . فرونين يرى الإرهاب اليهودي مؤججا ل " الإرهاب الفلسطيني . " ، ويتخوف من خطف بعض المستوطنين الذين يهاجمون القرى والمزارع والمراعي الفلسطينية استفزازا للفلسطينيين وتحرشا بهم . وغانتس وزير الدفاع السابق وعضو الكنيست عن حزب أزرق أبيض يرى أن الجيش الإسرائيلي لم يسلم من  إرهاب المستوطنين . ولا مفاجأة في نوعية  نظر أي مسئول إسرائيلي لاعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين ، فهؤلاء المستوطنون يمثلون إسرائيل تمثيلا خالصا  مثل جيشها ، وكثيرون منهم إما جنود عاملون فيه ، أو في الاحتياط . وهم لا يهاجمون الفلسطينيين إلا بتنسيق معه ، وأحيانا يشاركهم هجماتهم . وهم ما كانوا ليوجدوا في أي بقعة في الضفة والقدس ، وغزة سابقا إلا بتوجيه من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي توالى اهتمامها ببناء المستوطنات في وتائر متصاعدة حتى صار عدد  المستوطنين في الضفة والقدس 726 ألف  مستوطن موزعين في 176 مستوطنة تسميها إسرائيل شرعية ، و186 بؤرة استيطانية لا تمنحها صفة الشرعية في الوقت الحالي انتظارا لمنحها إياها مستقبلا منحا منفصلا لكل بؤرة ، وهذه التفرقة ليست سوى حيلة للإيهام بشرعية المستوطنات ال 176 ، وتهيئة لتشريع البؤر لاحقا . ولا يعترف العالم بهذه المستوطنات ، وهي خروج على القانون الدولي الذي يحظر على الدولة المحتلة السماح لمواطنيها بالعيش في الأراضي التي تحتلها إلا أن إسرائيل لا تلتزم بهذا الحظر ؛ لأنها تنفي كونها دولة محتلة للضفة والقدس ، وتسمي احتلالها لهما تحريرا . وهذا متوقع من كيان وجد ودام حتى الآن اعتمادا على ثنائية الهجرة والاستيطان ، والجدية الحازمة في تفريغ الأرض من أهلها الفلسطينيين لإفساحها لمستوطنين جدد تستقدمهم من أنحاء العالم استقداما تستغل فيه كل ما تستطيع من السوانح في الأحداث العالمية التي يهرب فيها الناس من مناطق الحرب ، وآخر استغلالاتها الهاربون من الحرب الروسية الأوكرانية التي قدم بعدها إليها آلاف من الأوكرانيين والروس . وتوقفت عن التدقيق في هويات المهاجرين اليهودية مبتدئة بمهاجري الاتحاد السوفيتي الذين تدفقوا عليها عند انهياره في 1990، فقدم إليها منه مليون مهاجر أكثرهم ليسوا يهودا ، واليهود منهم لا التزام  لهم بالديانة اليهودية ، وأنقذها قدومهم من القنبلة السكانية الفلسطينية التي كانت تصرخ منها متخوفة قانطة في ذلك الحين . وكل من يأتيها من المهجرين الجدد تدفع بهم إلى المستوطنات في الضفة والقدس تعزيزا لها وتضييقا على الفلسطينيين . وعادة ما يكون هؤلاء مغالين في شراستهم وعدائيتهم للفلسطينيين حمية ورغبة منهم في توكيد أهليتهم لمواطنتهم الجديدة ، وجهلا بحقائق الواقع في المنطقة . وسابقا حذر الكاتب اليساري الراحل أوري أفنيري من خطورة هذه النوعية من المهاجرين المستوطنين على العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب إجمالا . وإسرائيل كلها كتلة من الغرائب والمتناقضات والشاذات من الأوضاع والحقائق . جيشها يقتل الفلسطينيين ويهدم بيوتهم ، ويرحل بعضهم  من مناطقهم   التي سكنوها أحفادا بعد أجداد ، ويشجع المستوطنين بتوجيهات حكومية للاعتداء  عليهم ، ويرفع بعض مسئوليها وحزبييها أصواتهم محتجين على اعتداءات أولئك المستوطنين على الفلسطينيين خوفا على دولتهم ، ومن أشبه أباه فما ظلم . وكل ما تفعله إسرائيل حكومة وجيشا ومستوطنين بالفلسطينيين من فظائع ومنكرات يرسخ حقيقة واحدة ،هي أنها تحفر قبرها بيديها .

وسوم: العدد 1044