نجمة داود: من صدور اليهود إلى خدود الفلسطينيين

يسجل الإرث النازي إجبار يهود فرنسا على تعليق شارة باللون الأصفر تمثل نجمة داود، لكن ضباط أدولف هتلر لم يُلزموا اليهود أولئك بحفر النجمة على خدودهم، على نقيض 16 من ضباط حكومة بنيامين نتنياهو في دولة الاحتلال الإسرائيلي الراهنة، الذين حفروا نجمة داود على خد الشاب الفلسطيني عروة شيخ من مخيم شعفاط في القدس المحتلة. من جانبها كانت محكمة احتلال جزئية قد قبلت رواية الشرطة الإسرائيلية عن الواقعة، في أن عناصرها استخدموا «القوة المعقولة» فقط، وأن الندوب على وجه الشاب الفلسطيني «جاءت بسبب ضربات تلقاها من حذاء شرطي إسرائيلي».

فإذا وضع المراقب المحايد جانباً كلّ قراءة فلسطينية غاضبة لهذا السلوك الشنيع، الأبشع من أي ممارسة في تاريخ قبائح التعذيب النازية والفاشية، فلن يعزّ على المراقب ذاته العثور على ردود أفعال يهودية من طراز تعليق المؤرخة الإسرائيلية سارة هيرشورن التي غردت تقول إن «ما فعله رجال الشرطة هؤلاء عار على كل يهود إسرائيل والعالم». وأما ما بعد أحاسيس العار وما قبلها فإنها حقيقة استسهال الضباط الإسرائيليين الإقدام على جريمة نكراء مثل هذه، استناداً إلى تأكدهم من التمتع بالحصانة والإفلات من العقاب أولاً، ثم يقينهم تالياً بأن التفوّق على الإرث النازي في فلسطين ليس سوى تحصيل حاصل وتكملة لحكومة هي الأشدّ تطرفاً ويمينية وعنصرية وفاشية على امتداد 75 سنة من عمر الكيان الصهيوني.

ففي الخلفية الأعرض تتعاقب جرائم جيش الاحتلال ومفارز أجهزته الأمنية وقوات حرس الحدود الخاصة، في مدينة الخليل مؤخراً حيث يتواصل الحصار وتتوالى الاقتحامات وإعلان المدينة ومحيطها منطقة عسكرية مغلقة، وكذلك في قرى وبلدات ومدن فلسطينية من الزبابدة وبراح وكفر عقب إلى قلقيلية وطولكرم ونابلس. الاعتقالات العشوائية للفلسطينيين باتت تعدّ بالعشرات، فبلغت على خلفية العمليات الأمنية الإسرائيلية الأخيرة نحو 50 فلسطينياً دفعة واحدة، والانتهاكات العنصرية لم تعد تقتصر على الضفة الغربية بل شملت ما يُسمى بـ«الخط الأخضر» حيث أعلنت السلطات المحلية العربية الإضراب وإغلاق مقارّها في 67 بلدة ومدينة بعد قرار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش تجميد موازنات إضافية اعتمدتها الحكومة الإسرائيلية السابقة لمساعدة هذه السلطات في تسديد ديونها.

وإلى جانب مآزق حكومة نتنياهو مع شرائح واسعة في الشارع الإسرائيلي ذاته على خلفية التعديلات القضائية، ومع أصدقاء الاحتلال في الولايات المتحدة والغرب عموماً بسبب انحدار السياسات العنصرية والفاشية إلى مستويات أدنى وأفظع، فإن النغمة التي عزفها نتنياهو صحبة وزير دفاعه مؤخراً حول مسؤولية إيران عن تمويل عمليات المقاومة ليست أسطوانة مشروخة فقط، بل هي صورة معلنة لتأزّم خطاب التبرير والتضليل ذاته.

ولا غرابة في أن أنماط النهج العنصري والفاشي التي تتصاعد كل يوم في فلسطين المحتلة، مقترنة بمنظومة أبارتيد آخذة في التجذّر والتفوق حتى على مرجعيتها الأمّ في جنوب أفريقيا، إنما تتيح سلسلة دروس سياسية وعسكرية وأخلاقية تفرضها حال انتقال نجمة داود الصفراء من صدور يهود أوروبا، إلى نظيرتها الحمراء الدامية على خدود أبناء فلسطين.

وسوم: العدد 1046