هل من حق الجياع أن يثوروا !!

قال: "عجبت لمن جاع ولم يشهر سيفه" ورويت بعبارة أدق "عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يشهر سيفه" والعبارة مترددة في نسبتها بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وبين أبي ذر رضي الله عنهما، وإشهار السيف إعلان ثورة. ولا يختلف أهل الاسلام أن ما به بقاء النفس، من طعام أو شراب، من الضروارت التي تسقط على أقدامها المحظورات.

ومن عادتي عندما أقرأ، مقالا أو نحوه، أضع بجانبي كأسا من الماء، ولا سيما عندما أقرأ لشخص أو جهة ذات اعتبار. ذلك أنني أحب إذا علقت في حلقي بعض الأفكار أو الكلمات أن أسوغها بجرعة أو جرعتين..

أول ما بدأت صباحي اليوم السبت الثاني من أيلول والسادس عشر من صفر، بقراءة بيان استقبلته من عنوانه، ومن الجهة التي توفرت عليه، ببشر وفأل..

فلما مضيت في قراءته مددت يدي إلى كأس الماء فلم يسعفني؛ وتذكرت:

لو بغير الماء حلقـــــي شَـــــــــــــــــــرِقُ

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري

وربما كانت تلك الجهة آخر جهة أضع يدي في حزامها على أمل، ثم أراني كما يفعل المأموم حين يلج الامام تطويلا أو بغيا، فينوي المفارقة ويمضي..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفتان أنت يا معاذ!!

ونعوذ بك ربنا من شر الفتانين.

وحكمني سؤال، وأنا الذي ظللت طوال حياتي أنتقد الذين ينظرون إلى موائد الناس، وإلى لقمتهم، وأحفظ عن الأعرابي الذي عاف الطعام على مائدة معاوية، لأن معاوية رضي الله عنه،، ل

 قال له: أمط الشعرة عن لقمتك!! قال الرجل الخفيف الحاذ: لا أستطيع آكل على مائدة رجل يحدق في لقمتي حتى يرى فيها الشعرة…

لا أدري لماذا يفتي الشباع أو المتخمون بتحريم الثورة على الجياع؟؟!!

لماذا يدفعون هؤلاء المساكين البسطاء عن المطالبة بأبسط حقوقهم "لقمة تقيم أود وهدمة تستر عورة" بل ويتهمونهم، ويستخفون بهم، ويفتون بسقوط عدالتهم، ونبذ مشروعية ثورتهم؟؟ لماذا ؟؟ لماذا؟؟ لماذا؟؟ حتى سبعين لماذا؟؟

أليس من حق من جاع حتى خاف الموت أن يأكل الميتة والخنزير..وأنا لست فقيها، لأفاضل له، بين أن يأكل الميتة وبين أن يسرق رغيفا يقيم به الأود!!

ألستم حدثتنونا أن ابن المبارك رحم الله ابن المبارك في إحدى رحلات الحج، رأى طفلين يحملان دجاجة ميتة عن مزبلة، ليسدا الرمق، فدفع إليهما نفقة حج القافلة، وقال للناس: عودوا إلى بيوتكم فقد حججتم!!

قالوا أو زعموا: إنها ليست ثورة جياع!!

والذي يجعل هذا الكلام مثل لقمة الزقوم أنه يصدر عن قوم لم يجوعوا يوما، ولم يعرفوا غير التكرارية من قوله: وأعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع.

ويزعمون أن ماري انطوانيت كانت مظلومة عندما نسبت إليها النصيحة بأكل الكيك.. ولكن بعضنا الآن يفعل. والذي لا تكفيه منا اليوم الألف دولار لا يستطيع أن يفهم سر ثورة الذي يطلب منه أن يعيش مع أسرته بعشرة دولارات - انتبهوا عشرة دولارات في الشهر وليس في اليوم-

من حق كل إنسان أن يثور من أجل ضرورته..

فمن فقد اللقمة، وحكمه الجوع ثار ضد الجوع

ومن سد عليه الخوف المنافذ ثار ضد الخوف.

ومن اعتقد أن له حقا في الحرية والكرامة والشراكة في الأمر العام ثار من أجل ذلك..

حتى من غلب عليه حب الزعامة والرئاسة والتقدم والهيمنة والاستحواذ والتأله على الناس على طريقة حافظ وبشار - وهذا الحب الذي هو آخر ما يخرج من قلوب الصديقين- من حقه أن يثور من أجل ذلك شريطة أن لا يدجل على الناس فيزعم ان ثورته دفاع عن دين أو قيم أو عرض..

"بغلة معاوية الزرزورية" هي الهدف..

ويمضي النصل عميقا في الصدر..

وأنا أقول أيها السوريون ثوروا واحذروا

أيها الجياع ثوروا فثورتكم ثورة حق

أيها الخائفون ثوروا.. أيها الملجّؤون إلى ما لا يحسن ثوروا

"قال : يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟؟

أجابه : رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعطه مالك.

قال الرجل: أرأيت إن قاتلني؟؟

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: قاتله

يقول الرجل: أرأيت إن قتلتي؟؟

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: فأنت شهيد!!

يقول الرجل: أرأيت إن قتلتُه؟؟

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: هو في النار"

والحديث من رواية سيدنا أبي هريرة وفي صحيح الإمام مسلم، حتى لا يُدفع كلامي بعدم الاختصاص..

أيها السوريون ثوروا..على ظالمكم.. على من جوعكم وخوفكم وقتلكم وعذبكم وشردكم …

وثوروا على الجاهلين يتحكمون في قراركم طبقا عن طبق

"ولا سراة إذا جهالهم سادوا"

ويجوز للمأموم أن ينوي المفارقة إذا بغى الإمام..

وتجاوز..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1048