ضد الدُّعش .. والتدعش

وثورتنا يجب أن تكون عابرة للطوائف وليست طائفية .. متعددة الدوافع والخلفيات وليست حكرا على من يغني!!

وما زلت أكتب، منذ نحت السوريون الأحرار، مصطلح "داعش" من مكوناته اللفظية؛ أن "داعش" حالة، وليست فقط تنظيما..

نعم "التدعش"حالة"

وهو حالة عميقة الجذور في الشخصية الإنسانية، متعددة المظاهر والأبعاد. ويكون التدعش حالة "نفسية- فكرية -فقهية سياسية- اجتماعية-..." وما زلت أؤكد أن الدواعش "الخضر" ، بيننا أكثر وأخطر، وأنهم يدبون في مفاصل مجتمعاتنا وفكرنا وفقهنا دبيب الألم الظاهر الظاهر والداء الدوي الدفين..

وللتدعش "الحالة" في واقعنا العملي جذوره التاريخية متعددة الوجوه والتجليات أيضا.

والتدعش ليس حالة إسلامية أو دينية فقط كما يظن البعض، أو يحاول أن يصور، بل إن المجتمعات الحرة المنفتحة والمفتوحة، ابتليت على مر التاريخ بأنواع وألوان من التدعش متعدد الألوان والأشكال والأوزار..

وأؤكد على سبيل الأنموذج أن تدخل الجمهورية الماكرونية في شكل لباس التلاميذ هو نوع من ماء التدعش الذي يسقي حنظله وغساقه..

وأؤكد أن العبثية السخيفة في موجة إحراق المصاحف داعشية فردية وجماعية..تنبي عن محدودية وسذاجة وعبثية وانحطاط..

وأؤكد ثالثا أن كل القوانين الإكراهية الفردية تحت عنوان منظومة حقوق الإنسان، الجنسوية منها وغير الجنسوية؛ هي نوع من التدعش المعولم المقيت..

والتدعش فلسفيا هو حالة من تسيد "الأنا" في كل وجوه، هذا التسيد المشتق أصلا من قول إبليس (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ) يؤمن الداعشي أنه الأكرم والأفضل والأجدر والأفهم والأعلم والأولى والأتقى والأبقى.. وأن كل الناس يجب أن يشربوا من كفه، وأن يكونوا لما يكرههم عليه تبع.

براهمة الهنود اعتقدوا أن الله خلقهم من وجهه، وخلق الجند من منكبيه، والتجار من ساعديه، وخلقني وإياكم من قدميه..

وتتبعوا هذا تجدونه يتغلغل عند الأكثرين بصياغات مختلفة. في أديان وحضارات تظنون أنها مختلفة. وفي الكتاب المقدس: "ورأى أبناء الله بنات الناس أنهن حسنات"

كذا أبناء الله وبنات الناس.

التدعش خطر ماحق يهدد الإنسانية، ولكن ماء التدعش فيما أزعم هو الأخطر. فهل يمكن أن نتحدث عن الدواعش الخضر مثلا ؟؟

سيدنا يحيى ومن بعده سيدنا المسيح عليهما السلام: سموهما أبناء الأفاعي. تأملوا لين الملمس..

وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عنهم: يلبسون جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم..

أترك لكم استكمال الحديث!!

التفصيل في الحديث عن ماء التدعش يصلح أن يكون موضوعا لبحث علمي يستكمل. ليستبين الناس نجمه وشجره!!

وانعطف في هذه الخاتمة لأعيد الحديث عن الحراك الوطني السوري بعيدا عن نفخ التدعش ونفثه..

 فأقول إن الحراك الوطني السوري، لكي يكون وطنيا، يجب أن يكون عابرا للطوائف والمكونات وليس طائفيا ولا مقتصرا على فرقة أو فريق ..بوابة الحق واسعة، والقنطرة إليه متينة يعبرها كل الطالبين. بياء واحدة فقط.

ومن أبرز مرتكزات خطاب الدواعش في فضاء هذا الحراك، هذه الأنا الايديولوجية المتضخمة، بكل أبعاد الايدلولوجية وألوانها. وتكون أكثر تضخما عند دواعشها، فلا يسمعون ولا يبصرون ولا يتنفسون بل ولا يعقلون إلا من خلالها..

واعتقدتُ دائما أن كل المواطنين السوريين، يجب أن يجدوا مكانهم في فضاء هذه الثورة،على اختلاف اعتقاداتهم وانتماءاتهم وخلفياتهم ودوافعهم.. وأن من غاب أو تأخر عنها يبقى مكانه في انتظاره، حتى يؤوب، إلا من أثم فإنه لا يهلك إلا نفسه.

وكل واحد من السوريين يثور من أجل الأسباب التي تقنعه بالثورة، مادام يثور من أجل نصرة حق، لا من أجل طمسه. ومن حق كل مواطن أن يثور على شاكلته، ولا يتعالى بعضنا على بعض، ولا يفرض بعضنا ربوبيته على آخر، ولا يقول سوري لسوري: أنا خير.

كل من ثار دفاعا عن حق مشروع، فهو ثائر. وليس من حقي ولا من حق غيري في أي لحظة أن يتعالى بعضنا على بعض. وفي ميثاق ربنا حين دعانا إلى الكلمة السواء (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ) ولا يكون هذا الاتخاذ لا اختيارا ولا اضطرارا..

والتعالي على الناس هو نهج فرعوني، وأسدي وجبروتي لا يليق بالثوار الثائرين على الظلم أن ينتهجوه..

وحي الله من ثار ومن نصر الحق بكلمة، أو زفر في وجه الظالم زفرة..

كفوا عنا تدعشكم يا كل المتدعشين..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1048