وقفة مع اليوم العالمي لمحاربة الأمية

من المعلوم أن عالم اليوم يخوض نوعين من الحرب : حرب  حقيقية مادية ، وهي مما اعتادتها البشرية منذ فجر التاريخ ، والتي تطورت أساليبها وأدواتها اليوم  من بدائية إلى معقدة  بل في غاية التعقيد، وفتاكة في غاية الفتك والدمار ، وحرب معنوية  أو رمزية ،لا شك أنها قديمة هي الأخرى قدم التاريخ إلا أنها في عصرنا هذا صارت لا تخلو منها أيام من شهور السنة من يعلن عنها ، وصرنا نسمع بأيام عالمية تتعلق بالحرب أو بالمحاربة من قبيل محاربة   بعض أمراض العصر التي استفحل خطرها ، ومحاربة بعض الآفات كالمخدرات ، و التدخين ، وتشغيل الأطفال ، وخطاب الكراهية ... إلى غير ذلك. وهذه  الحرب أو المحاربة  المعنوية أو الرمزية  محمودة، قد أجمع العالم على حمدها ، وهي بذلك خلاف الحرب الحقيقية  القذرة والمذمومة بإجماع العالم بمن في ذلك الذين  يشعلونها ، لكنهم يبررونها بذرائع واهية تعود كلها إلى  طغيان غريزة العدوان المتأصلة في بني آدم  .

ومن الحروب الرمزية التي يدعو إليها عالم اليوم ، محاربة الأمية التي حدد  للاحتفال بها يوم الثامن من شهر أيلول شتنبر كمناسبة عالمية .

ومعلوم أن التعريف العام للأمية هو جهل الإنسان بالكتابة والقراءة ، وهما مهارتان متلازمتان، ذلك أن الذي يقرأ يلزمه بالضرورة  أن يكون ملما بكتابة  خط اللسان الذي يقرأ به ،بمن في ذلك العميان الذين لهم طريقتهم الخاصة  في الكتابة .

 ولا بد من التذكير بأن من يردد ما يسمعه أو يحفظه  من الكلام  دون معرفة بالكتابة لا يكون  بمنجاة من الأمية ، وكثير من الأميين من المسلمين يحفظون  ويستظهرون القرآن الكريم، والحديث الشريف وهم لا يقرءون ، ولا يكتبون .

 وإذا كانت الأمية بمعنى الجهل بالقراءة والكتابة ، فإن الجهل لا يقتصر على الجهل بهما فقط ، بل قد يجهل أيضا من يقرءون ويكتبون ، وبيان ذلك أن كل إنسان مهما بلغ مستواه العلمي والمعرفي  في تخصص معين ، فهو في غير تخصصه الجاهل به في حكم  الأمي أو شبه الأمي ، و لهذا لا يخلو أحد من البشر من أن يكون له حظ من الأمية في ما لا علم له به .

و معلوم أن الأمة المسلمة لا عذر لها في شيوع الأمية بالمعنى العام بين أفرادها  لأن  أول ما نزل من القرآن الكريم من عند الله عز وجل على رسوله الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : (( إقرأ باسم ربك الذي خلق )) . وإنه لمن العار والشنار أن يحل بالبشرية القرن الخامس عشر الهجري ، والواحد والعشرين الميلادي ، والأمية بمعنى الجهل بالقراءة والكتابة  ضاربة أطنابها في بلاد المسلمين ، وهم يعيرون بذلك بين الأمم التي قضت على هذا النوع من الأمية منذ عهد بعيد .

وليس الذين لا يقرءون ولا يكتبون من المسلمين وحدهم من يعانون من الأمية، بل هناك منهم من  يتجاوز عقبة الجهل بالقراءة والكتابة  بمراحل ، ولكنه يعاني من أنواع أخرى من الأمية ، وشرها ألا يعلم المعلوم من الدين بالضرورة ، وهو ما لا يعذر فيه أقل الناس مستوى علمي أو معرفيا بله الذين لهم مساويات عليا .

والمصيبة أو الطامة الكبرى، أن يسجل على بعض أصحاب تلك المستويات العليا معاناتهم من بعض أنواع الأمية خصوصا حين يقتحمون مجالات علمية ومعرفية لا يفقهون فيها شيئا ، وهم مع ذلك يعتقدون في أنفسهم العلم والمعرفة بها ،وينازعون في ذلك أصحاب الاختصاص فيها، ويحاولون تضليل من لا يعرف جهلهم بها بادعائهم العلم بها ، ويجاهرون بذلك ، بل يتحدون بمناظرة أهل الاختصاص والتمكن منها ، ولا يخجلون من أنفسهم، وهم يتهمونهم بالجهل  ، ويزعمون أنهم أعلم وأدرى بها منهم ، وأنهم مجددون فيها ، وبهذا ينسحب عليهم ما يسمى بالجهل المركب، وهو جهل الجاهل بجهله .

ومثل هؤلاء أفراد من أمم غير مسلمة،  لا علم لهم بكتاب الله عز وجل، ولا بحديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا بما يعرفان بهما من علوم ، ومع ذلك يخوضون فيهما خوض الجاهل، وقد ركبوا غرورهم ، وجهلهم . وقد يستخدمون   أميين جهلة بهما ، وهم محسوبون على أمة الإسلام من أجل القول فيهما بالأهواء الضالة  انتصارا لمرجعية علمانية ، يراد عولمتها ونشرها بشتى الطرق والوسائل أو لنقل بتعبير أدق بمنطق القوة في بلاد المسلمين .

ويجدر بالأمة المسلمة في مثل هذه المناسبة السنوية أن يكون احتفالها برفع تحد كبير يكون في مستوى قول الله تعالى الذي خاطب به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ومن خلاله خاطب البشرية قاطبة : (( إقرأ باسم ربك الذي خلق )) . ولا  يجب أن يكون حد طموح الأمة المسلمة أن يقرأ ويكتب أفرادها  فقط، بل لا بد أن يرفعوا رهان محاربة الجهل والأمية في كل المجالات العلمية والمعرفية.

وأول جهل وأمية يجب محاربتهما، الجهل والأمية بالمعلوم من الدين بالضرورة ، لأن هذا الجهل الذي يجب الهجل منه وهو مدخل منه يلج أعداء ديننا خصوصا من العلمانيين وأذنابهم الظاهر منهم والمندس بيننا  للعبث بالجهلة والأميين منا .

ويتعين على الأمة المسلمة أيضا أن تكون على وعي تام بأميين متعالمين من أذناب العلمانية الغربية الذين يتجاسرون على علوم ومعارف خاصة بديننا، محاولين بذلك صرف العامة وأنصاف المتعلمين عنهما، وذلك من أجل تهيئتهم ليكونوا ضحايا وعبيد تلك العلمانية الخربة قيمها . 

وسوم: العدد 1049