الثورة السورية ومؤتمر جنيف 2

خياران أحلاهما مرُّ

أحمد الزعبي

يشير مايجري في الجمهورية العربية السورية وحولها هذه الأيام ، ولا سيما مايتعلق بمؤتمر جنيف2 الذي حددت الدولتان الأعظم  (أمريكا وروسيا ) ، بعد حلهما لمشكلتي الكيماوي السوري والنووي الإيراني ، في (مؤتمر 5+1) ، موعداً لهذا المؤتمر في ( 22.01.2014 ) والذي من المفروض أن ينهي ثلاث سنوات من الصراع المسلح بين كل من نظام بشار الأسد وإيران وحزب الله المدعومين بالموقف الروسي الحليف وبالموقف الدولي المتفرج ، من جهة ، و الثورة الوطنية الديموقراطية السورية ، من جهة أخرى ، نقول يشير مايجري في الجمهورية العربية السورية وحولها هذه الأيام ، بصورة أساسية إلى مايلي :

1. يصعب أن يكون من قبيل الصدفة أن يتزامن تحديد موعد انعقاد مؤتمر جنيف 2 ، لحل الأزمة السورية مع الاتفاق النووي الإيراني مكاناً وزماناً ، وسنكتفي هنا بوضع إشارة استفام حول هذا التزامن؟ 

2. تعتبر " اسرائيل " هي العنصر الأساسي ، الحاضر ـ الغائب في هذه الأزمة ، بل إنها هي من يحدد مواقف كثير من الدول القريبة والبعيدة المعنية ، سواء من النظام أو من المعارضة ، وسواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ،

3. يدخل في إطار الدور الإسرائيلي غير المباشر في المسألة السورية ، التفاهم المشترك بين كل من أمريكا وروسيا وأوروبا ، حول موضوعي السلاح الكيماوي السوري ، والمشروع النووي الإيراني ،ولعل الأسابيع القليلة القادمة ، سوف تكشف انسحاب هذا التفاهم ، على مسألة مشاركة إيران في مؤتمر جنيف 2 ، بغض النظر عن الكيفية التي يمكن أن يتم  بها الإخراج السياسي والفني واللغوي  لهذه  المشاركة .

4. إن استخدام بشار الأسد للسلاح الكيماوي في غوطتي دمشق ، وتجاوزه خطوط أوباما الحمراء ، هو من أخرج التفاهم الأمريكي ـ الأوروبي ـ الروسي حول المسألتين السورية والإيرانية من السر إلى العلن ، وسمح بالتالي للدول العظمى أن تفرض الشروط الإسرائيلية على المعارضة السورية ، سواء بموافقتها على حضور مؤتمر جنيف2 ( دون شروط مسبقة على حد تعبير الأخضر البراهيمي ) ، أو ربما بجلوسها على طاولة واحدة مع من تلطخت أيديهم القذرة ، أوعقولهم المريضة ،  بالدماء الطاهرة لأكثر من مئتي ألف سوري ، ناهيك عن الباقي ، الذي لم يعد يجهله لاعدو ولا صديق ،

5. تعود عملية " شهر العسل "  بين نظامي بوتن وأوباما ، من جهة إلى الضعف والتراجع الاقتصادي الأمريكي بعد أزمة 2008 ، وبعد خسائر أمريكا الكبيرة في العراق وفي أفغانستان ، ومن جهة أخرى إلى الوضع التاريخي والجغرافي لروسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ، حيث ورثت روسيا عن الاتحاد السوفياتي  مسألتين أساسيتين : الأولى هي القوة العسكرية الكبيرة (الترسانة النووية والصاروخية  ) ، والثانية هي دعمم الكيان الصهيوني ، على حساب ملايين الفلسطينيين المشردين في الشتات ، الأمر الذي جعل  الموقف الروسي ، يتقاطع مع الموقفين الأمريكي والأوروبي ، في المسألتين السورية والإيرانية ، ومثل التربة الصالحة لنبتة هذا الحلف الجديد بين هتين الدولتين الكبيرتين والقويتين (عسكرياً بصورة أساسية ) . هذا ونحن لانستبعد أن يخلع الطرفان  في المستقبل القريب ،أو المتوسط أوالبعيد قناعهما الرمادي الذي يغطي حقيقة مواقفهما  من كثير من القضايا العالمية ، ومنها القضايا العربية  ، وعندها سوف تظهر حقيقة وأبعاد هذا التحالف الأمريكي ـ الروسي ، الذي يمكن نعته بإمبريالية القرن الواحد والعشرين ، أو إمبريالية النظام العالمي الجديد .

6. لقد أدَّى غموض ورمادية مدخلات ومخرجات مؤتمري جنيف  1و2 ( المعلنة على الأقل ) ، وكذلك غموض ورمادية التصريحات التي يطلقها المعنيون من جميع الأطراف ، إلى انقسام الرأي والموقف داخل المعارضة السورية ، بين القيادات والقواعد ، العسكريين والمدنيين ، المقاتلين والحاضنين  ، النازحين والمهجرين ، الإسلاميين والعلمانيين ، وذلك حول الحضور من عدمه ، من جهة ، وحول الأمورالتي لابد من التوافق حولها سورياً وإقليمياً ودولياً قبل الذهاب إلى جنيف  من جهة أخرى .

وأبرز هذه الأمور :

ــ الإفراج عن عشرات الآلاف من معتقلي ومعتقلات الرأي  في سجون ومعتقلات بشار الأسد ،

ــ وقف استخدام الطيران والصواريخ والأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً  التي أدت إلى تدمير معظم المدن

    والقرى السورية وقتل وتشريد معظم سكانها ، ولا سيما الأطفال والنساء والشوخ ،

ــ تحديد سقف زمني لهذا المؤتمر ، بحيث لايتعدى شهر......... ،

ــ أن يتكون وفد النظام ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري ،

ــ أن تشمل صلاحيات الهيئة  / الوزارة الانتقالية ، التي ستتشكل في جنيف كامل الصلاحيات الدستورية

   والقانونية التي كان يتمتع بها بشارالأسد بعد وراثته رئاسة الجمهورية عن أبيه  ، بما في ذلك 

   الصلاحيات المتعلقة بالجيش وأجهزة الأمن ، أي تطبيقياً ، رفض أن يكون لبشار الأسد وللمافيا العائلية

   التي تحيط به ( على حد تعبير سلام كيلة )  ولكل من تلطخت أيديهم بدماء المواطنين السوريين أي

   دورسواء  في المرحلة الانتقالية ، أو في مستقبل سورية ،  

ــ ان تكون المهمة الأساسية للهيئة التي ستشكل كبديل لنظام عائلة الأسد ،هي تحويل النظام السياسي في

   سورية من نظام شمولي ديكتاتوري ، إلى نظام ديمقراطي برلماني تعددي وتبادلي ،خلال مرحلة

   انتقالية قصيرة ومحددة .

ــ انسحاب كافة القوات والعناصر الأجنبية ( غير السورية ) من سورية  ،

ــ فك الحصارعن كافة المناطق المحاصرة والسماح بدخول الغذاء والدواء إليها فوراً ،

ــ عودة الجيش إلى ثكناته ،وانسحابه التام من كافة المدن والقري وفي كل المناطق ،

ــ السماح للصحفيين بالدخول واخروج من وإلى كافة المناطق في سورية دونما عوائق أو قيود ،

ــ وضع ماسيتفق عليه في جنيف 2 في صورة  قرار من مجلس الأمن يصدر تحت الفصل السابع ،

7. لاشك أنه ينبغي على المعارضة أن تأخذ عند اتخاذ قراراتها ومواقفها ، ولا سيما من مؤتمر جنيف ، الحالة الإنسانية التي أوصل بطش النظام وجيشه وشبيحته ، وتدخل إيران وحزب الله بكل ثقلهما المادي والمعنوي إلى جانبه ، تحت ذرائع كاذبة وملفقة ما أنزل الله بها من سلطان ، وكذلك الصمت العالمي ، والانقلاب العسكري الذي حدث في الثالث من يوليو 2013 في جمهورية مصر العربية ، والتأييد الفوري والمادي لهذا الانقلاب من دول مجلس التعاون الخليجي  ، والمواقف الحرباوية لدول الجوار ، ومعاناة الماجرين والمهجرين والنازحين ، نقول لابد من أن تأخذ المعارضة ، بجناحيها العسكري والمدني ، كل هذا  بعين الاعتبار . وبالتالي لابد الاَّ تتم المشاركة في مؤتمر جنيف ، إلاَّ ضمن شروط واضحة ، تصب في مصلحة الشعب السوري بكل مكوناته ، وتحقق للثورة المبادء الأساسية التي عكستها شعاراتها الوطنية ، في الحرية والكرامة ،واللتان لايمكن تحقيقهما إلاَّ بإسقاط نظام عائلة الأسد الطائفي ، نظام الاستبداد والفساد ،  ونظام تغييب الديموقراطية وحقوق الإنسان.

8. إن الذهاب إلى مؤتمر / لقاء جنيف دونما ضمانات تحقق أهداف الثورة ، هو خيار مرٌّ بالتأكيد ، ولكن عدم الذهاب  إلى جنيف ، وترك أطفالنا ونسائنا وشيوخنا فريسة ، لطائرات الميغ ، ولصواريخ لافروف ، ولأكاذيب ملالي طهران وحسن نصر الله وهمجيتهم ، ولهذا الصمت والتفرج العربي والإسلامي والعالمي ، ربما كان أكثر مرارة .  

إنَّ التساؤل الذي يطرح نفسه هنا على قادة الثورة من المدنيين والعسكريين : ترى هل نحن محصورون فعلاً بين هذين الخيارين المرَّين  واللذين هما واقع الأمر خيار واحد وليس خيارين اثنين ؟ ! وذلك على قاعدة ( بدك أرنب خذ أرنب ، بدك غزال خذ أرنب !!) .

 ولأني ، كطارح لهذا التساؤل ، لاأملك تفاصيل الصورة ،( كوني لست في درعا  ، ولا في حمص ، ولا في اسطنبول ) فإني لاأخجل من البوح بعجزي الذاتي والموضوعي عن الإجابة على هذا التساؤل ، رغم منطقيته ومشروعيته ، لابالسلب ولا بالإيجاب .