عندما يُتَوَسَّل ب"التربية الجنسية" لإشاعة الزنا والشذوذ الجنسي

dfsdsdd21059.jpg

إذا كان حفظ النسل يمر بالضرورة عبر العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى، فإن البداهة تقتضي بناء ما يُطلق عليه التربية الجنسية على قواعد وأسس تسمح على الأقل باستمرارية هذا النسل بغض النظر عن خصائصه. ومن المعلوم أن التربية الجنسية شأنها شأن التربية بصفة عامة، ترتبط ارتباطا جدليا بالمرجعية التي تؤطرها، خاصة فيما يتعلق بالخصائص المراد إحداثها لدى الفرد المستهدف من كل مرجعية على حذا. ولا شك أن لهذه الخصائص دور محوري في توجُّهات واختيارات الأفراد بالقدر الذي يجعلها منسجمة مع مكونات ثقافة معينة، ومتعارضة مع مقومات ثقافة أخرى تعارضا قد يصل إلى حد مسخ هوية ومرجعية مجتمعاتها. لهذا يحرص ذوو المرجعية العلمانية الغربية على فرض منهجها التربوي بصفة عامة، والمتعلق بالتربية الجنسية خاصة. ولا شك أن تقديم مشروع "دعم انخراط المجتمع المدني في إرساء التربية الجنسية في تونس والمغرب"، الذي جرى إطلاقه بمبادرة من الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة، بحضور ممثلين حكوميين وأمميين وفاعلين جمعويين، حسب ما جاء في مقال بإحدى الجرائد الإلكترونية بتاريخ 11 نونبر 2023 تحت عنوان تقديم مشروع التربية الجنسية بالمغرب وتونس، يندرج في هذا السياق، وهو ما يُفهم من المقال نفسه، الذي أورد أن المشروع يجري تنفيذه بالمغرب وتونس على مدى سنة، وذلك بدعم من الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي والتنمية، وبتعاون مع المكتب الإقليمي للاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة، وأن الهدف الأساسي للمشروع يتمثل في تسريع إدماج التربية الجنسية في المناهج الدراسية والأنشطة الموازية بالمغرب وتونس، مما لا يترك مجالا للشك بأن المستهدف الأول من هذا النوع من المشاريع هي المرجعية الإسلامية، لكونها تتميز بتصور خاص للتربية الجنسية يتنافى كليا مع التصور العلماني، وهو ما يعني أن تنزيل هذا المشروع في الواقع لا قدر الله، سيقوض أسس المرجعية الإسلامية، ويحيلها بالضرورة على التقاعد في جل المجالات الحياتية.

وإذا كان المشروع حسب المقال يقتصر على المغرب وتونس، فإن هذا لا يعني أن باقي البلدان الإسلامية مستثناة منه ومن مشاريع مماثلة، بل قد يكون استهدافها سابقا على استهداف المغرب وتونس، ولعل "الفضيحة الأخلاقية"* التي فجَّرها، مكتب "الأخلاقيات" التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، التابعة للأمم المتحدة، قبيل طوفان الأقصى بمدة زمنية قصيرة، بإصداره مستندا بعنوان: "مدونة قواعد السلوك" هذا نصها: " تنظر الأونروا إلى المساواة بين الجنسين وفقًا لآراء الأمم المتحدة، ونتيجة لذلك تتصف المساواة بين الجنسين بشمول الزملاء والمستفيدين من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وأحرار الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين وأفراد الفئات الجنسانية الأخرى(LGBT-1)، وفي حال تعارض ذلك مع الأعراف الثقافية المحلية يجب أن تسترشد سلوكياتنا معايير السلوك للخدمة المدنية الدولية وغيرها من الأنظمة والقواعد التابعة للأمم المتحدة"، وتوزيعه لنشرات في شأنه على مدراء المناطق التعليمية بغزة لتفعيلها على أرض الواقع، لخير دليل على أن الهدف الأساسي للعلمانية الغربية هو إشاعة الفاحشة عبر مداخل المساواة، والحرية الفردية والتربية الجنسية...

إذا كانت هذه هي مخرجات التربية الجنسية التي يجتهد العلمانيون في إنباتها في مجتمعاتنا الإسلامية، فإن من واجب مسؤولي الدول الإسلامية في وزارات التربية الوطنية ووزارات الشؤون الإسلامية بصفة عامة والمسؤولين المغاربة على وجه الخصوص، التعجيل بإيقاف هذه الجمعيات عند حدها، بمنعها من ممارسة هذه الأنشطة المشبوهة من جهة، وإعداد برنامج خاص بالتربية الجنسية مستمد من الشريعة الإسلامية من جهة ثانية، يتم إدراجه ضمن مقرري مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية على الخصوص، دون إغفال مختلف المواد الدراسية التي لها علاقة بالموضوع. ولا أعتقد أن وزارتي التربية الوطنية والشؤون الإسلامية تُعدمان الأطر القادرة على إعداد مثل هذا البرنامج في إطار أحكام الشريعة الإسلامية، مما يُكسب المتعلمين ركائز وأسس تربية جنسية متوازنة تراعي الثوابت الدينية، وتقوي مناعتهم ضد تيار العلمنة الجارف لكل القيم الإنسانية النبيلة، خاصة وأن نصوص الكتاب والسنة التي تعالج الموضوع ميسرة وكثيرة، فيما يلي بعضا منها:

  • ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾الآية 33 من سورة النور
  • "يا معشر الشَّباب، مَنِ استطاع منكُم الباءة فليتزوَّج، فإنَّه أغضُّ للبَصر وأحصن للفرْج، ومَن لم يستطع فعليه بالصَّوم؛ فإنه له وجاء"؛ حديث شريف أخرجه البُخاري ومسلم.
  • ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾الآية 32 من سورة الإسراء.
  • ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾الآية 21 من سورة الروم.
  • ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ... ﴾من الآية 186 من سورة البقرة.
  • ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) ﴾سورة الأعراف.
  • ﴿ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾الآية 78 من سورة هود
  • ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾الآية 222 من سورة البقرة
  • ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا... ﴾سورة النور.

ولعل تدبر هذه النصوص حتى من غير المتخصصين في العلوم الشرعية من أمثالي، كاف لاستخراج مجموعة من العناصر الأساسية التي يتعين إدراجها ضمن برنامج التربية الجنسية ذات المرجعية الإسلامية، أذكر منها:

  • إبراز إيجابيات الزواج والحث عليه بالنسبة لمن استطاع إليه سبيلا، وتوجيه المعسر إلى الاستعفاف والصبر.
  • إبراز مقاصد تحريم الزنا والتركيز على مخاطره ومآلاته المجتمعية.
  • كشف مخاطر الشذوذ الجنسي أو ما يسمونه المثلية، في مقابل مزايا الزواج الذي لا يصح إلا بين رجل وامرأة بالغين بلوغا شرعيا.
  • توضيح المخاطر التي يمكن أن تنتج عن مباشرة الزوج لزوجته أثناء فترة الحيض.
  • إبراز محاسن غض البصر لتزكية النفوس والتحكم فيها، حتى لا يتم تصريف شهوة الجنس في غير ما أحل الله.

ختاما أقول لكل مسؤولي الدول العربية والإسلامية الذين لهم علاقة بالتربية بصفة عامة، بأن فَسْحَهُم المجال للتيار العلماني ليتصرف في تربية أبناء المسلمين، يُعتبر خيانة للأمانة، وتفريطا في المرجعية الإسلامية التي تنص عليها معظم دساتير هذه الدول، ومن ثم لا يمكنهم بأي حال من الأحوال التنصل من مسؤوليتهم فيما سيؤول إليه الوضع الأخلاقي لمجتمعاتهم في حالة سيادة المرجعية العلمانية التي مؤداها انقراض النسل البشري، الذي يعتبر من الكليات الخمس في الإسلام، وذلك على الأقل في شقه المعنوي، بحيث تندثر كل معاني التعارف المنصوص عليها بنص القرآن الكريم في قوله تعالى في الآية 13 من سورة الحجرات: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ لِتَعُمَّ الأنانية وحب الذات والاستسلام للشهوات في أقبح صورها.

* انظر المقال الذي نشرته على موقع وجدة سيتي بتاريخ 25 شتنبر 2023 تحت عنوان : "للذين يعتقدون أن الأمم المتحدة عبارة عن جمعية خيرية!!!"

وسوم: العدد 1059