وسائل التواصل الاجتماعي ومسؤولية الكلمة

fddfsdfsdfg1059.jpg

لا أحد يجادل في الدور الأساسي الذي لعبته وتلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في الحد من احتكار المعلومة من طرف الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي من جهة، وفي تمكين مجموعة من الأشخاص المغمورين من إيصال كلمتهم بشكل مباشر للمسؤولين ولفئات عريضة من مختلف مكونات المجتمع من جهة ثانية، غير أن هذه الوسائل شأنها شأن باقي الوسائل التي يستعملها الناس في حياتهم اليومية، بقدر ما لها من مزايا وإيجابيات، فإنها قد لا تخلو من سلبيات تسيء إلى أفراد معينين أو إلى المجتمع ككل، بسبب الاستعمال السيئ لها من قبل عناصر أقل ما يمكن أن يقال في حقهم هو: إما أنهم ذوو نيات سيئة، أو مرضى نفسانيين يتلذذون بالإساءة لغيرهم، أو لأنهم يبحثون عن مصادر سهلة للحصول على المال، حتى وإن أدى ذلك إلى إشاعة التفاهة التي أصبحت تستهوي، أكثر من أي وقت مضى، ذوي العقول البسيطة؛ أو لأنهم يريدون تمرير خطاب دون تحمُّل مسؤوليتهم فيه، متعمدين في ذلك عدم الإفصاح عن هويتهم، كما كان الشأن بالنسبة لمقطع صوتي تم تداوله على نطاق واسع في مختلف أصناف وسائل التواصل الاجتماعي من واتساب، ويوتيوب، وفايسبوك... ضمَّنَهُ صاحبه خطابا موجها إلى السيد وزير التربية الوطنية دون أن يفصح عن هويه، مما مَكَّن البعض من نسبته زورا للأستاذ مصطفى بنحمزة. وأنا لا أنوي من خلال هذا المقال الدفاع عن الأستاذ بنحمزة لأنه "فران قاد بحومة" كما يقول المثل الشعبي عندنا، بقدر ما أرغب في توجيه رسالة إلى فئة صانعي المحتوى من جهة، وإلى فئة مستهلكي المحتويات المعروضة في هذه الوسائل من جهة ثانية.

ففيما يتعلق بالفئة الأولى، ألفتُ انتباهَهَا بأن الكلمة مسؤولية لا ينبغي الاستهتار بها، سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، لأنها قد تؤدي بصاحبها إلى ما لا تحمد عقباه في الدنيا والأخرة على السواء، فأما على المستوى الدنيوي فلا شك أن العديد منا قد سمع أو قرأ على تلك العقوبات التي جرَّتْها بعض التدوينات أو الفيديوهات على أصحابها وهم في غفلة من أمرهم، وأما على مستوى الآخرة فالنصوص الواردة في التحذير مما قد يترتب عن الكلمة المتهورة كثيرة، أكتفي بما ورد في شأنها في الحديث الطويل عن معاذ بن جبل رضي الله الذي جاء فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أُخْبِرُكَ برأسِ الأمْرِ وَعمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنامِهِ؟ قلت: بلى يا رسول اللّه! قال: رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ، ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ؟ قلت: بلى يا رسول اللّه! فأخذ بلسانه ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قلت: يا رسول اللّه! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟".

وإذا كان الأستاذ بنحمزة قد تبرأ على ما يبدو بما نُسب إليه، فإن من واجب صاحب المقطع الصوتي إن كان من أصحاب المروءة أن يُعلن عن هويته، ثم يعتذر للأستاذ إن كان هو نفسه صاحب الادعاء، أو ينفي علاقته بما نسب له، حتى لا تنطبق عليه الآية 112 من سورة النساء حيث يقول عز من قائل:﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾. وهذا لا يعني أني أتوخى إصدار حكم على مضمون التسجيل، بقدر ما أعيب على صاحبه عدم تحمل مسؤوليته في الإعلان عن هويته، حتى يكون منسجما مع نفسه إذا كان يؤمن فعلا بما صرح به، على غرار ما قام به الأستاذ سعيد كربازي من مديرية بني ملال الذي عرف بنفسه أمام الكاميرا، قبل أن يَرُدَّ على السيد وزير العدل بخصوص اتهامه الأساتذة بلي ذراع وزارة التربية الوطنية. وبغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي مع ما ورد في كلمة الأستاذ كربازي، فإني أحيي فيه الشجاعة والجرأة والموضوعية التي تَحَلى بها في رده الذي ضمنه مجموعة من الزلات التي وقع فيها السيد الوزير منذ تحمله مسؤولية وزارة العدل.

أما فيما يتعلق بالفئة الثانية فخير ما يمكن تذكيرها به، هو قوله تعالى في الآية 6 من سورة الحجرات:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾، وهو ما يستلزم منهم ومنا جميعا عدم تمرير أي معلومة قبل التأكد من هوية صاحبها، ومن صحتها ومن نُبل الهدف المتوخى منها، إذ لا يمكن بحال من الأحوال المساهمة في نشر معلومات أو معطيات يستنكف صاحبها عن نسبتها لنفسه، بغض النظر عن الدافع وراء عدم التعريف بهويته.

في الأخير وبسبب كثرة ما يُنشر إما كتابة، أو صوتا، أو صوتا وصورة، فإن الرغبة في متابعة كل ما تحفل به وسائل التواصل الاجتماعي، أو كما عبر عن ذلك إبراهيم السكران "بالماجريات"*، لا يمكن إلا أن تكون نوعا من الإدمان الذي يتسبب في هدر الرأسمال الحقيقي للإنسان المتمثل في الوقت، على اعتبار أن ذلك عاملا أساسيا في تشتيت الفكر، والحيلولة دون تركيزه على مشروع معين يعود بالنفع عليه وعلى مجتمعه. ولنا على سبيل المثال لا الحصر-وإلا فاهتمام كل العظماء ينصب على الأمور العظيمة-في المرحومين فريد الأنصاري، وعبد الوهاب المسيري خير مثال على أهمية الاستثمار الأمثل للوقت الذي تجسد في جزء منه في هَجْر الماجريات، والتفرغ شبه الكلي لمشروعيهما الذين خلدهما التاريخ، ليبقيا صدقة جارية لهما إلى يوم القيامة. أَمَا آن الأوان لنعي أهمية الكلمة التي تُعتبر من أخطر الأسلحة، في وقت أصبح فيه أعداؤنا يتحكمون في جل مصادرها، ونعمل على تحمل مسؤوليتنا اتجاهها، سواء تعلق الأمر بما يصدر عنا أو بما يستهدفنا به غيرنا، مستنيرين في ذلك بمبادئ دين الحنيف الذي يأبى التفاهة والسفاهة والفجور والخلاعة.

* يمكن تحميل الكتاب على العنوان التالي : https://foulabook.com/ar/book/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA-pdf

وسوم: العدد 1059