القمّة العربيّة الإسلاميّة.. والبلاغ رقم (واحد)!..

ليست المرّة الأولى التي يُعرَض فيها الـمَشهد المأساويّ، بالصوت والصورة والألوان!.. فكلما اشتدّ القتل وسفك الدماء والإجرام، الذي يرتكبه الكيان الصهيونيّ المجرم، بحقّ أهلنا في غزّة وفلسطين المحتلّة الجريحة.. يشتدّ الحنق والغضب المكبوت، في صدر الإنسان العربيّ.. وكلما اشتدّ الحنق والغضب، واقتربت الصدور المشحونة من حافّة الانفجار العارم.. يهرع صناديد (الخداع) في نظامنا العربيّ للاجتماع، ولعرض (دراما) جديدة، علّها تشفي أعراض نوبات (المغص والصداع)، التي تسبّبها حالة الاندهاش والاحتقان في الشارع العربيّ، من هذا الصمت المروّع، الذي يعتبره نظامنا العربيّ الملتزم بحالة (ضبط النَّفْس)، الوسيلةَ المثلى لتحرير فلسطين، بأرضها وإنسانها ومقدّساتها، والطريقةَ العملية لتقديم كلّ أنواع الدعم للشعب المجاهد، الذي يواجه الترسانة العسكرية الصهيونية-الأميركية، بصدور أبنائه وأطفاله!..

*     *     *

الـمَشهد الأخير كان أكثر مأساويّةً من الــمَشاهد التي سبقته!.. فمَن يسيطرون على الجامعة العربية من الحكّام العرب وأربابهم، كانوا على قدر المسؤولية والأحداث والتطوّرات!.. إذ دعوا إلى اجتماع قمّةٍ عربيٍّ إسلاميّ لبحث المستجدّات في غزّة واتخاذ القرارات المناسبة للتعامل معها!..

المواطن العربيّ الحانق، والشارع العربي المحتقن.. بدأ يهدأ كالعادة، مُتَرَقِّباً النتائج!.. مُنتظراً (البلاغ رقم واحد)!.. الذي سيهزّ العالم، ويُنهي احتلال فلسطين والقدس والأقصى المبارك، ويُهلك حَرْثَ الكيان الصهيونيّ ونَسْلَه!..

بعد انعقاد المؤتمر العتيد، على هامش موسم الرياض ومهرجان الفنّ والرقص والعُهر، صَدَرَ (البلاغ رقم واحد)، نعم صَدَر!.. بعد اجتماعاتٍ صاخبةٍ حضرها سفّاح سورية الأكبر، وبعض السفّاحين الأعضاء عن حكوماتهم وأنظمتهم المتصهينة!.. نعم، صاخبةٍ لم يصل ضجيجها إلى أبعد من (تل أبيب) و(واشنطن)!.. ولم يكن هذا البلاغ بلاغاً، بل كان (شهادة وفاةٍ) مُصَدَّقةً حسب الأصول!.. ولم يكن الضجيج والصخب، خلافاً بين الأشقّاء على طريقة تحرير فلسطين والقدس والأقصى المبارك، ولا على خُطّة تحرّك الجيوش العربية المكدَّسة حول القصور، أو على نوعيّة السلاح الذي سيُستخدم في المعركة الفاصلة، أو على أسلوب استخدام أوراق الضغط الـمُجدية، اقتصادياً وسياسياً وتعبوياً، ضد الكيان الصهيونيّ، وضد كل مَن يدعمه أو يؤازره أو يقف إلى جانبه!.. (رحم الله الملك فيصل بن عبد العزيز).. إذ كان الخلاف بين أركان النظام العربيّ.. خلافاً على صيغة إعلان (وفاة) ما يُسّمّى بمؤسّسة الجامعة العربية -رحمها الله-، ووفاة النخوة العربية معها، وكُلَّ شِيَم المروءة والنجدة وإغاثة الملهوف!..

*     *     *

بعد أقلّ من أربعٍ وعشرين ساعة، أعلن الناطق الرسميّ باسم الكيان الصهيونيّ: المدعو(جو بايدن)، عن الانتهاء من قصّ الشريط الحريريّ، لمرحلةٍ جديدةٍ من الاستخذاء والهوان العربيّ!.. ومن شدّة خوفه ورعبه من النظام العربيّ الضاغط على أنفاسه.. افتتح (بايدن) المرحلة الجديدة، بِفِرْيَةٍ من العيار الثقيل، هي أنّ حماس والشعب الفلسطينيّ المقهور، هما سبب كلّ مصيبةٍ وكارثةٍ وعِلّةٍ في الشرق الأوسط، وأنه على الطفل الفلسطينيّ الأعزل أن يتوقّف مئةً في المئة عن الإرهاب، بحقّ اليهود الصهاينة الوادعين!.. أي : على الطفل الفلسطينيّ أن يوقف هجومه ضدّ الدبابة الصهيونية الغازية!.. وعليه أن يوقف قصفه لطائرات الـ (إف-16) الأميركية، التي يستخدمها اليهود الصهاينة في حفظ الأمن والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط!..

*     *     *

وبعد أقلّ من أربعٍ وعشرين ساعةً أخرى، اشتدّت هجمات جيش (الحضارة والعدل) الصهيونيّ، على المدن والقرى الغزّاوية والفلسطينية.. واغتيل بغض الأطفال والنساء المرضى والجرحى في المستشفيات والمراكز الطبية الفلسطينية (الإرهابية)!.. بتقنيةٍ أميركيةٍ وأوروبيّةٍ صليبيةٍ متطوّرة، ويدٍ (عادلةٍ صهيونيّةٍ حَضاريّة)!..

وهكذا اكتمل المشهد، على المكشوف هذه المرّة، واستغنى الممثّلون عن ورقة (التوت)، وتكامَلت الأدوار: الأول الصهيوني: يعتدي ويقتل ويفتك ويسحق ويحتلّ.. والثاني الأميركيّ والصليبيّ الأوروبيّ: يتستّر ويُخفي آثار الدمار والخراب وبُرَكَ الدم الفلسطينيّ، ويؤمّن التغطية الكاملة للمعتدي المجرم السفّاح.. والثالث العربيّ وصنديد (المماتَعَة): يقوم بعمليات الدفن، ثم يقرأ (الفاتحة) على روح غزّة وروح فلسطين وأرواح أهلها وأبنائها، ويُشرع الأبواب لتلقّي (العزاء)!.. بصفته كبير القوم، أليس هو صانع الأمجاد والانتصارات المتلاحقة، التي عجزنا عن حَصرها؟!..

*     *     *

لقد ثبت بالدليل والبرهان، أنّ كلَّ دعوةٍ لعقد اجتماعٍ أو دورةٍ للنظام العربيّ، ليس مَبعثه القيام بخطوةٍ إيجابيةٍ تجاه نجدة المجاهدين العزل في فلسطين.. أو الاتّفاق على إجراءٍ يُنقذ الأقصى الشريف من دنس الصهاينة اليهود المجرمين!.. فالهاجس الوحيد الذي يـُحرّك أركان النظام العربيّ -بمن فيهم أبطال المماتعة والصمود والتصدّي، من المناضلين التلفزيونيين الاستعراضيين- هو الإجابة على سؤالٍ واحدٍ: كيف نقمع المواطن، ونسيطر على الشارع العربيّ، قبل أن ينتفضَ أو إذا ما انتفض، متأثّراً بانتفاضة الغزّاويّين والفلسطينيين؟!.. ولعلّ النظام العربيّ اكتشف، أنّ الشارع العربيّ قد اكتشف، أنّ الوقوف (دقيقة صمتٍ) على أرواح الشهداء، لا يصحّ أن يتحوّل إلى الوقوف (قرناً) من الصمت على أرواحهم الطّاهرة المغدورة!.. فللصمت حدود!.. كما للغثبرة والخطابات الرنّانة، والشعارات الطنّانة، والضجيج، والصخب الفارغ.. حدود أيضاً!.. وعبارة: (عظّم الله أجركم) !.. ليست الوسيلة اللائقة، التي تُستخدَم باسم أربع مئة مليون مواطنٍ عربيٍ، مفتول الشوارب والعضلات.. لتحرير فلسطين، بقدسها الشريف، وأقصاها المبارك!..

وسوم: العدد 1059