في مطالبتي بتحديث الآليات...!!

أحدث مقالي، في دعوة السادة العلماء، إلى تحديث آلياتهم، في نصرة قضايا الإسلام والمسلمين، هزة غير متوقعة في دائرة تردداتي المحدودة والصغيرة المتواضعة.

عدا رسائل الشكر، أو جبر الخاطر، ببعض الثناء، أو الرجاء، كانت هناك أكثر من رسالة جديرة بالتعامل معها جديا، ليس من قبلي فقط، بل من قبل فضائنا العلمي والفكري المفتوح.

حقيقة يجب أن أعيد تجليتها، وهي أن ما طالبت به السادة العلماء، وهم الطبقة الأرجى عندي، لأنهم الأرجى عند جمهور أكبر من الناس؛ أطالب به عمليا كلَّ النخب والقيادات الفكرية، ومؤسسات الشأن العام، من جميع التوجهات.

بينت في مقالي ذاك أن التصدي للأحداث الكبرى في منطقتنا؛ ومن ضمنها المشروع الصهيَوي- والمشروع الصفوي، وتغول الاستبداد والفساد القطري، كل هذه البلايا المدعومة -بلا حدود- من دوائر الاستكبار العالمي طبقا عن طبق، لم تعد تكفي فيه..

البيانات والخطابات والقصائد ولغة الشجب والتنديد، أو لغة التكفير والتفسيق والتبديع أو التخوين والنبذ بالتوحش أو بالإرهاب..

لم تعد كافية مظاهرات الإدانة والشجب، وإن كانت هذه المظاهرات ما تزال تشكل في كثير من دولنا، مطلبا، تحرم منه الجماهير، وتصدر قرارات الحُرم فيه، تحت فتاوى وعناوين، يقول المفتي "طاعة ولي الأمر واجبة" ويقول البعثي "هيبة الدولة لا تمس"

وكذا فيما نحن فيه من دعوات جديرة، لمقاطعة اقتصادية لسلع تكون في بلادنا على رفوف البقال..

بينما كل ترسانات أسلحتنا، من بلاد المقاطَعين، اشتريناها من أموالنا العامة بالملايين، واشترطوا علينا في عقود بيعها: أن لا نقاتل بها إلا بإذنهم؛ لعلنا نعقل أو نتفكر..

وما أكتبه هنا ليس لرفض ما بأيدينا، وليس للتقليل من قيمته، وليس للدعوة إلى إهماله ورفضه؛ بل لتطويره وتجديده وتحسينه وتحديثة، وجعل آلياتنا الرافضة، لهذه الحرب المعولمة المفروضة على أمتنا أكثر فائدة وجدوى، ونصرة للذات،ونكاية في العدو..

غير أن السؤال الذي تكرر عليً تعليقا على المقال؛ الذي تحدثت فيه عن ضرورة تحديث الآليات، فكان أكثر إلزاما ولا أريد أن أقول أكثر إحراجا، كان سؤال بعض الأحباب الجادين: مثل ماذا؟؟ !! أي أنهم يطالبونني أن أقترح عليهم آليات أكثر حداثة، وأكثر جدوى، وأقدر على التأثير في الأمر الذي نعانيه، وإن لم تخرجنا منه، فتخفف من وقعه علينا، حسب تعبير أحدهم..!!

وليس تهربا من مقتضى، أن أعود فأقرر كما أفعل كل مرة: كوني أطالب الناس من حولي، بالبحث عن حل؛ لا يعني أنني أملكه!!

جميل من عدد أكبر بين ظهرانينا، أن نتفق على أننا نحتاج إلى آليات عملية، أكثر جدوى وأكثر فاعلية، في الدفع عن أنفسنا، إن لم نقل في النكاية، بعدونا!!

ودائما أقول المسائل المعقدة، أو الصعبة، تحتاج أن تتوارد عليها العقول، ويصب في جلاء غموضها المزيد من مادة الفسفور النقي المساعد على حسن التكفير.

محاضرات وندوات وورشات توصيف الواقع -واقعنا- قد استحصدت أو احترقت أو كادت..

مللنا أغاني المظلومية، وأراجيز هجاء العدو أو سبابه، على لحم جمالنا أو شياهنا يتغدى جنود العدو ويتعشون.. والسعيد منا -فيما يظن بعضنا- أنهم سمحوا له أن يمشمش بعض ما تركوا على المائدة من عظم، هو في الأصل من ماله أو من مال أبيه!!

 دعوتي كانت: فلنتجاوز هذا الطبق المهم في محاولة الرفض، ولنرتق إلى الطبق الأهم فنركبه (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) لعلنا.. ثم لعلنا.. ثم لعلنا..

ولنستقبل من أمرنا ما استدبرنا، ولنعد التفكير والتقدير والتدبير مرة بعد مرة…

وكما يقوم رجل في مثل عمري بانتقاد أداء بعض من والاهم عمرَه..

لعلنا نسمع من بعض من كانوا يتطاولون علينا بانتماء إلى ما يسمونه حداثة ودعوة إلى إنسانوية جفاء، ونسوية عجفاء، إنسانوية تغتال الأطفال، ونسوية تنتهك الأمومة بانتهاك أخص ثمراتها..

لعل هؤلاء وهم كثير بين ظهرانينا، يخرجون على دعوات والوها، ودعوا إليها نبذا ورفضا..

لعل بعض الذين ما زالوا يرجون الأمريكي في سوريتنا التي ابتليت، على عين، ببوتين والولي السفيه؛ يدركون أن الأمريكي الذي يغطي على إبادة أطفال فلسطين، ويشارك فيها، ليس موضع رجاء وأمل..

لعلنا وقد رمانا العالم عن قوس واحدة، وقد تعددت منها الألوان فهي محمرة مصفرة، نجتمع تحت راية بيضاء ناصعة..

موضوع تحديث الآليات العملية، ليس بسيطا، بل هو أكثر تعقيدا وأهمية من اختراع بعض الصواريخ العابرة للقارات، لأن هذه الآليات يجب أن تطوف بكل آفاق الإنسان. آليات تلزم ولا تستجدي!! تفرض وتأخذ ولا تستعطي!! أقول كل ذلك

وما زال موضوع تحديث الآليات العملية مفتوحا، وجديرا، ومستحقا، وهو واجب الوقت بالنسبة للمسلمين أجمعين..

ولن أعتب عليكم إن أرسلتم إليّ أنني عدت فهربت من الاستحقاق، من الموضوع الأخطر، أن يستقيظ الفرد من أبناء الأمة عند كل صباح فيجد على جدول عمله اليومي: تكليفا جديدا يشغل به يومه ما استطاع..

تكليف مشروع قانوني عملي مجدٍ وممكن… قلت فيما قلت اختيار هذا عمل لجان من الخبراء الاستراتيجيين المحيطين الذين ينتمون للعصر بكل ما فيه من معطيات وعلوم وفنون.

(وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1059