إن المحرمات المدنية العلمانية قد تكاثرت علينا.. حتى عدنا لا نعرف كيف نقول ..

أتباع الدين العلماني، ولاسيما في مسلاخه الليبرالي، كانوا يجعلون القدسية الأولى لخيارات الإنسان، كل إنسان حر فيما يختار، كل ما يتبناه الإنسان باختياره فهو بالنسبة إليه جميل. خيارات الفرد، فوق قيم المجتمع، يقررون هذا بالطبع في دائرة الإباحة القانونية التي جعلوها أكثر اتساعا ومطاطية..

في البداية طلعوا علينا بمحرم أو محرّّمين، لفظيبن، وفروا لهما القداسة، سجنوا من أجل المساس بهما مفكرين كبارا، ورجالا يشار إليهم بالبنان..

اليوم وفي ظل المكارثية الجديدة، المفروضة بقوة الحديد والنار، يعود غاليلو ليجثو على ركبتيه أمام محاكم التفتيش الجديدة منكرا دوران الإرض.

لم نعد قادرين على ملاحقة قوانين الحُرْم الليبرالية المفروضة على الألفاظ والأفكار..والتي قد تصل عقوبة اجتراحها إلى مثل ما كان يهدَد به غاليلو يوم جثا على ركبتيه ذات نهار..

أصبح الواحد منا بحاجة إلى مستشار قانوني يطالعه بنشرة صباحية، عن مستجدات المحرمات العلمانية والليبرالية..

منذ ثلاثة أو أربعة أشهر كتبت منشورا على منصة الفيسبوك، أنتقد فيه قوما، تذرعوا لمصادرة أو للتضييق على مشروع تعليم البنات..كتبت منتقدا، ومثربا ومذكرا.. وذكرت القوم بعنوانهم، قصورا قانونيا مني عن مواكبة اتساع دائرة المحرمات الليبرالية.. لم ألبث أن تلقيت رسالة إنذار بالمصادرة لأنني تجاوزت قيم "مجتمعهم"، وما دريت أن من قيم مجتمعهم الدفاع عن فكرة حظر التعليم على البنات، أو ذكر من يقترف باسمه دون ترميز..

حتى في المحرمات الدينية، التي ينبذها المتحررون "بذهنية التحريم" تجب في مواطن الاستعاذة من الشيطان الرجيم، ويجوز لعنه لمن شاء أن يلعن، عندما يشاء بلا تثريب.

الإمام أبو حامد الغزالي، صاحب كتاب المنقذ من الضلال يفيد: لو أن مسلما مات ولم يلعن إبليس لم يسأله الله: لِم لَم…

في هذه الأيام يجب أن تتساءل في كل صباح ما هي أسماء الآلهة الجديدة التي يجب أن تذكر بالتوقير والاحترام والاعتبار..

ومن هم "آل لوط" الجدد الذين يجب أن يُخرجوا، من قريتنا العالمية، لأنهم يتطهرون، وأن يحرُم ذكرهم على ألسنتنا، أو أن يمر طيف أسمائهم على مخيلاتنا!! كنا نتحدث عن حرية التعبير، وصرنا نطالب بحرية التخيل والتفكير..وأصبح من إبداعات العصر أن بعض الناس امتهن أن يدلنا على طريقة، كيف نتهرب من خوارزميات الذكاء الاصطناعي، التي لا تفهم ولا ترحم…

قال لي صديق: وضعت إعجابا على صفحة صديق، من قبيل المجاملة الاجتماعية!! مجرد إعجاب على كلام عام..

جاءني تذكير: تذكّر أنك وضعت إعجابا على صفحة..!!

كان بيننا من دعاه الناس يوما المفكر السوري، وعاش دهرا بيننا، يقتات على عنوان كتاب ألفه منذ عقود كان عنوانه بالضبط "ذهنية التحريم"

في كتاب ربنا الكريم (قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ..) فعدد، وقلل…

وفي كتاب ربنا: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ)، فحظر ووسع..

وفي قاموس المحرمات في دين الليبراليين أصبح عالم المحرمات بلا حدود

من عالم القيم إلى عالم السياسة إلى عالم الاقتصاد إلى عالم الاجتماع..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1059