القضية الفلسطينية تستدعي رفع البلاد العربية دعاوى قضائية أمام عدالة دولية لانتصافها

القضية الفلسطينية تستدعي رفع البلاد العربية دعاوى قضائية أمام عدالة دولية لانتصافها من الدول الغربية التي احتلتها وذلك باستعادة ما ضاع من حقوقها

إن عبارة : " من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها " هي مغالطة صارخة يراد بها القفز على جريمة احتلال بريطانيا أرض فلسطين إلى جانب أقطار عربية أخرى ، وتسليمها إلى عصابات الكيان الصهيوني الذي لا حق له فيها ، عوض تسليمها إلى أصحابها الشرعيين ، وهو ما بات يعبر عنه بعبارة : أعطى من لا يملك من لا يستحق "  إشارة إلى وعد الصهيوني بلفور المشئوم ، علما بأن منطق العطاء يقتضي بالضرورة  أولا ثبوت ملكية المعطي ،وهو ما لم يثبت للمحتل البريطاني الذي تلاحقه جريمة الاحتلال  أولا، و ثم جريمة تسليم أرض احتلها بالقوة إلى محتل بعده  بالقوة أيضا ،وتوطينه فيها بغير وجه حق  إلى الأبد كما يزعم .

ومع أن القضية الفلسطينية لا حل لها سوى استعادة الشعب الفلسطيني حريته  وأرضه ،لأنه المالك الشرعي  لها ، فإن العالم الغربي بزعامة الولايات المتحدة ، مع الدول الأوروبية  السائرة في فلكه أو لنقل  التي تحت وصايته ، قد تعمد تزيف حقيقة هذه القضية التي تعتبر بريطانيا  المسؤولة الأولى عنها  تاريخيا، ـ إن كان التاريخ من حقه أن يكون في  مأمن من التزويرـ و قانونيا ـ إن كان للقانون من معنى في قاموس هذا العالم اليوم  ـ ، وأخلاقيا ـ إن بقي للأخلاق من معنى في هذا العالم  ـ  وهي تسليم  محتل أرضا لها شعب بعد انهاء احتلاله لها إلى محتل بديل عنه ، شأنه في ذلك شأن غاصب أو سارق يعطي ما اغتصبه أو ما سرقه لسارق مثله ، وهو شريكان في السرقة والاغتصاب .

ومن محاولات تجنب الغرب الطرح  التاريخي ، والمنطقي، والقانوني  للقضية الفلسطينية بالعودة إلى اللحظة التاريخية التي تم تسليم  المغتصب البريطاني  أرضا مغتصبة إلى المغتصب الصهيوني ، والذي كان من المفروض أن يعالج هذا الأمر بقانون تصفية الاستعمار التي بموجبه تعود الأرض المحتلة بالقوة إلى أصحابها الشرعيين  ، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث بالرغم من أن أغلب الشعوب في العالم ، ومن بينها شعوب عربية  التي احتلت أراضيها ، استعادتها بمقاومتها وبموجب قانون تصفية الاستعمار مع بعض المخلّفات الاستعمارية التي سنعود إليها بعد قليل.

ويراهن الغرب على تراخي الزمن من أجل طمس معالم القضية الفلسطينية ، وذلك عن طريق التصرف وكأن المحتل الصهيوني هو صاحب الحق المشروع ، لهذا يسوق هذا الغرب الظالم  مقولات  يروم من ورائها هذا الطمس الفاضح للقضية  من قبيل " حق إسرائيل في الوجود " ، أو " حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ". ومتى كان لمحتل أرض الغير بالقوة حق الدفاع عن نفسه ، وهو المعتدي ؟ وهل كانت القوة التي استعملتها مختلف الدول الغربية،  وهي تحتل  بلاد غيرها دفاعا عن نفسها ؟  فأي منطق هذا الذي تتحدث به الإدارات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة اليوم واصفة جرائم حرب الكيان الصهيوني في فلسطين  بالدفاع عن نفسه ؟

ومن أساليب التسويف ايضا  لطمس معالم القضية الفلسطينية، ما سمي بمسلسلات سلام  بعد حروب متكررة بين البلاد العربية والكيان الصهيوني من أجل تصفية استعماره  لأرض فلسطين  ، وهي حروب خاضتها إلى جانبه  الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة ،  وقلبت فيها موازين القوة لصالحه ، و هي مسلسلات  سلام وهمي، جاءت بعد يأس الأنظمة العربية من استرداد ما أخذ بالقوة بقوة مماثلة خلافا لإرادة شعوبها .

وكانت هذه المسلسلات مؤامرة غربية خبيثة وماكرة لتقسيم الأنظمة العربية إلى  مضطرة  لقبول واقع مفروض بالقوة، وهو وجود كيان صهيوني محتل لأرض فلسطين ، وجعلها تتورط في توقيع ما سمي بمعاهدات سلام معه ، وهي معاهدات مقيدة لها بقيود لا تسمح بعودتها إلى ما قبل توقيعها .

 وبالرغم من أن الكيان الصهيوني المحتل يعبر باستمرار عن مشروعه الاستيطاني  التوسعي الكبير  في الوطن العربي ما بين فرات العراق ، ونيل مصر ، فإن الأنظمة العربية الموقعة على معاهدات السلام معه ، تجاهلت هذا الخطر المعلن  والمحذق ببلادها ، و المهدد لها . ومع مرور الزمن بدأت أنظمة عربية أخرى تلحق بها عن طريق ما سمي تطبيعا  مع الكيان الصهيوني علما بأنه رفض الأقل القليل مما طالبت به الأنظمة العربية  مجموعة ، وهو دويلة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية ،وحدودها لا تزيد عن حدود ما بعد حرب سنة 1967 التي خرج فيها الكيان الصهيوني منتصرا عليها بدعم من الدول الغربية التي لولاها ما كان لينتصر أبدا .

وبعد معاهدة كامب دفيد المشئومة ، جُرّت القيادة الفلسطينية مكرهة إلى معاهدات أشد شؤما ، لم يجن الشعب الفلسطيني من ورائها إلا التقتيل ، والأسر، والتهجير ، وتوسع الاستيطان الصهيوني فوق أرضه . وها هو اليوم مجرم الحرب والإبادة الجماعية في غزة وفي الضفة الغربية ،يتحسر على معادة أسلو ، ويعبر عن ندمه علي عقدها بالرغم  من أنها محض سراب بالنسبة للشعب الفلسطيني ، ويراها خطأ جسيما ارتكبه ما كان قبله ، وهو ما يؤكد أنه لا نية له بتوقيع سلام مع الفلسطينيين  خصوصا ،ومع العرب عموما حتى وإن قبلوا بدويلة حدودها حدود ما بعد حرب سنة 1967 ، وهو ما يؤكد أيضا أن ما أخذه بالقوة، لا محالة ولا مناص من استعادته بالقوة ، وهو ما تقوم به المقاومة الفلسطينية اليوم التي صارت تنعت بالإرهاب  في الغرب ، عوض أن تسمى باسمها الحقيقي، وهو أنها مقاومة الاحتلال كما سميت كل حركات التحرر في العالم التي ناضلت ،وقاومت من أجل استقلال أراضيها المحتلة . وها هو الغرب بعد كل ما تفوه به رئيس وزراء الكيان المحتل  يردد، وبوجه صفيق عبارة : " دفاع هذا الكيان عن نفسه " ، وهو المحتل ،المعتدي، المارق ،  العنصري ، والمتغطرس ، والدائس على كل ما يسمى بالقوانين الدولية ، والأعراف  والقيم والأخلاق  بدعم وتشجيع  من القوى النووية الغربية المتغطرسة التي علمته الغطرسة ، وقد غررت به في مستنقع غزة الذي كشف خور ما كان ينعت بالجيش السطوري الذي لا يهزم ، وقد جُرّع مرارة أقسى الهزائم منذ احتلاله أرض فلسطين ، ولولا الدعم الغربي لكانت نهايته بعد أسبوع واحد  من السابع من أكتوبر ، كما يشهد بذلك الوضع الميداني الحالي .  

وليس اليوم أما القوة الغربية النووية  الداعمة للكيان المحتل ،والتي ورطته في حرب خاسرة  بكل المعايير،سوى العودة إلى بداية قصة القضية الفلسطينية، كي تتحمل بريطانيا مسؤوليتها عن استنبات هذا الكيان السرطاني في جسم أرض تلفظه لفظا ، وهي القلب النابض  لوطن عربي كبير أصبح يعاني من انتشار أورامه الخبيثة في طول وعرض ربوعه . وحل هذه القضية، يكمن في عودة الأرض إلى أصحابها الشرعيين سواء  كان ذلك عن طريق مفاوضات أو عن طريق مواجهة القوة بالقوة كما هم الحال  ما بعد السابع من أكتوبر . ولا مجال لإضاعة الوقت مع أحلام الكيان الصهيوني الذي يريد اجتثاث المقاومة الفلسطينية من أرضها ووطنها ليعيش بأمن وسلام ، وهي مقاومة حاضنتها شعب بأسره، لن يقبل بديلا عن حريته ، أو بديلا عن تحرير وطنه كاملا  ، وله أجيال ستتعاقب ، وكلها مشاريع مقاومة لا هوادة فيها من أجل انتزاع حقه انتزاعا  .

وإعادة طرح القضية الفلسطينية الطرح التاريخي ، والواقعي، والمنطقي، والقانوني، والأخلاقي،  تقتضي أن تحاسب كل الدول الغربية التي احتلت أقطارا عربية على الأضرار التي لحقت بها جراء احتلالها ، وما سببته لها من مشاكل بل من  معضلات ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما سببه لنا  في المغرب المحتلان الفرنسي والإسباني ، ذلك أن الأول اقتطع من وطننا ربوعا  من صحرائنا الشرقية ، وسلمها للجارة الجزائر التي كان يحتلها ، وكان يحلم بأن تكون جزءا من أرضه جنوب البحر لأبيض المتوسط ،بعد احتلال دام  أكثر من قرن من الزمن . وكان من المفروض حين رحل عن وطننا أن يرد لنا ما اقتطعه من ربوعه ، لكنه رحل، وسلم ما لا يملك إلى من لا يستحق، تماما كما فعل المحتل البريطاني في فلسطين . أما المحتل الاسباني، والذي لا زال يحتل مدينتين من مدننا  وجزرا  واقعة في البحر الأبيض المتوسط  ، وهو لا يريد الرحيل، بل يراهن على تراخي الزمن لطمس معالم مطلبنا  تماما كرهان الكيان الصهيوني في فلسطين ، فإنه قد رحل عن صحرائنا التي استرجعناها بمسيرة سلمية خضراء  أشاد بها العالم ، والتي لم يحدث مثلها فيه ، لكنه لم يغادر إلا وقد اختلق لنا مشكلا ركبته جارتنا الجزائر ، ولا زالت تركبه لحد الساعة ، حيث تعمد هو الآخر بخبث ومكر تسليم ما كان يحتله لمن لا حق له فيه ، وقد غرر هو وحكام الجزائر بأبناء وطننا وأغراهم بالانفصال عن وطنهم الأم ، لحملهم على المطالبة بما سمي تقرير المصير بعد تصفية استعماره ، والتاريخ ،والمنطق، والواقع يشهد بأن تصفيته  إنما كانت عن أرض مغربية ، ولم تكن عن  أرض لكيان مختلق، لا تاريخ له. ولا زال أبناؤنا يحتجزون في مخيمات رهيبة تحت حراسة عصابات مسلحة وجيش الجزائر فوق ربوع مغربية سلمتها فرنسا لجنرالاتها الجزائريين، و لا زال المغرب لعقود يعاني من شرورهم التي لا نهاية لها ، وكان الأجدر بهم أن يقاضوا المحتل الفرنسي على احتلاله لبلادهم وسلب خيراتها ،  ولتداعياته الخطيرة  ، وهو الذي لا زال يحتفظ بجماجم لضحايا من أبناء وطنهم  زمن حرب التحرير ، و لا زال يعبث بمقدراتهم لحد الساعة  ، ويتصرف مع أبنائهم المهاجرين فوق أرضه  بعنصرية ،وتمييز  مقيتين . وعوض أن يكفوا عن صلفهم ، ويمدوا أيديهم إلى أيد أخوة ممدودة إليهم بصدق ومحبة ، و بذلك فقط  يستطيعونالوصول بترحاب مغربي صادق إلى شواطىء المحيط الأطلسي التي يحلمون بالوصول إليها ، وينقوا عبرها ما شاءوا من مقدراتهم إلى حيث شاءوا في هذا العالم، فإنهم لا زالوا على غيهم القديم، يحلموا بما لا حق لهم فيه ، ويموهون على ذلك بما يزعمون أنه  نصرة لقضية واضحة البطلان بشهادة التاريخ الذي يحاولون التنكر له ، ولا يتنكر له إلا جاهل به جهلا مركبا ، أو مكابر ومعاند، يجرعليه عناده سخرية الساخرين .

وفي الأخير، نقول لقد آن الأوان لمحاسبة الدول الغربية التي كانت تحتل أقطار وطننا العربي على كل ما تسبب فيه احتلالها من تداعيات وخيمة، ومشاكل لا حصر لها ، ولا زال هذا الوطن المسكين يعاني منها إلى يوم الناس هذا . وأول محاسبة ، يجب أن تكون محاسبة المحتل البريطاني على تسليمه ما لم يكن يملك لمن لا يستحق ، ثم تليها بعد ذلك  محاسبات أخرى ، بموجبها تسترد كل الحقوق العربية الضائعة ، وتجبر كل الأضرارالمترتبة عن الاحتلال البغيض الذي سيبقى وصمة عار على جبين الأنظمة الغربية التي تتصدر اليوم العالم ودون حياء تلقنه  قيمها التي تباهي بها ، والتي كشف ما بعد السابع من أكتوبرأنها لا زالت  قيم احتلال، وغطرسة، وظلم  ، ونهب وسلب ...  لم تتغير، ولن تتغير أبدا. وكيف تكون لهذه الكيانات الغربية  المتغطرسة، والمؤيدة للكيان الصهيوني  العنصري الإجرامي المرتكب لأفظع إبادة جماعية في الوقت الراهن، بل والمشاركة له في جرائم حرب صارخة ، والتي ستبقى سبة وعارا لها لن يمحى أبدا ، وقد سجلها التاريخ كي تتطلع عليه الأجيال البشرية القادمة، و التي ستلعنها وقد زالت، وأفضت كلها إلى مزابل التاريخ ، وما أكثر ما تحتويه تلك المزابل من عار وشنار لحق الظالمين في الدنيا قبل عذاب الآخرة ، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.

وسوم: العدد 1062