"الأيديولوجية الإسلامية".. والمخاض العسير لحزب "وعد"

"الأيديولوجية الإسلامية"..

والمخاض العسير لحزب "وعد"

د. لؤي عبد الباقي

[email protected]

·        مقدمة

·        الإسلاميون السوريون ودروس ثورات الربيع العربي

·        حزب "وعد": المخاض العسير

·        مفهوم "الأيديولوجية الإسلامية"

·        "وعد".. كخطوة واسعة على طريق التخلي عن الأيديولوجية الإسلامية (علمنة الإخوان)

مقدمة:

على الرّغم من أنّ تعثّر مسار الثورة السورية، وتأزُّم الأوضاع الميدانيَّة والإنسانيَّة والسياسية، استحوذ على جلّ اهتمام وتفكير السوريين، إلا أنّ ذلك لم يثن بعض المعارضين الإسلاميين والوطنيين من التفكير والإعداد للدّخول في الممارسة السياسية في مرحلة ما بعد الثورة. ولقد كان من المنطق والحكمة أن يحاول الإسلاميّون السوريون الاستفادة من دروس التّجربة التي خاضها إخوانهم في دول الربيع العربي الذي لمّا تكتمل فصوله بعد.

الإسلاميّون السوريّون ودروس ثورات الربيع العربي:

لاشكّ أن ثورات الربيع العربي قد فرضت واقعا جديدا فتح أبواب السلطة أمام الإسلاميين، ووضع نظرياتهم وبرامجهم وممارساتهم على محك التّجربة والمساءلة. وقد أظهرت التجربة القصيرة التي خاضتها هذه التيارات بعض النّجاحات المتميّزة، كما واجهت بعض المصاعب والإخفاقات. فمن ناحية الأداء في الانتخابات، كان نجاح الأحزاب الإسلامية كاسحا ومميّزا. أما بالنّسبة لمواجهة السياسات الاقتصادية والمشاكل المزمنة من البطالة والفقر والفساد، فقد بدا واضحا أنّ هذه التّحديات تفوق قدرة أي تيار سياسيّ على مواجهتها منفردا دون تحالفات سياسية واسعة تضمن مشاركة أكبر شريحة ممكنة من الكوادر والنّخب السياسية والتكنوقراطية. وبالرغم من أن الربيع العربي قد أثبت أن الإسلاميين حريصون على بناء المؤسّسات الديمقراطية، إلا أنه كشف أيضا عن ضعفهم في بناء تحالفات سياسية على المستوى الاستراتيجي، وليس الانتخابي القصير الأمد.

هذه التجربة، على قصرها، دفعت بعض الإسلاميين السوريين، من إخوان ومستقلين، إلى إعادت تقييم رؤيتهم المستقبلية، للاستفادة من الفضاء السياسي المقبل، بشكل انعكس في رغبتهم بتغيير تشكيلاتهم وهياكلهم، وإعادة صياغة خطابهم ومواقفهم، بل ومحاولة تكييف أيديولوجيّتهم وتكتيكاتهم في بناء تحالفات سياسية استراتيجية.

الحزب الوطني للعدالة والدستور (وعد): المخاض العسير

ليس خافياً أن حركة الإخوان المسلمين في سوريا تعيش حالة مراجعة فكرية، لا تخلوا من التردد أو التأزم الداخلي أحيانا، حول الموقف من "الأيديولوجيّة الإسلامية" التي تبنتها منذ تأسيسها على يد الشيخ الإمام حسن البنا، ومن ثَمَّ انتقالها إلى سوريا بجهود الشيخ الدكتور مصطفى السباعي، رحمهما الله، حيث يعتبر الإرث الفكريّ والتنظيميّ والدعوي العظيم الذي خلّفه الشيخان المؤسِّسان، البنا والسباعي، من أهم أدبيات الحركة التي تحدّد منهجها التنظيري وتضع أطر برامجها العملية. وقد تمخّض هذا الصراع الفكري عمليا بولادة الحزب الوطني للعدالة والدستور (وعد) الذي أشرف على تأسيسه عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن حصلوا على مباركة وتأييد مجلس شورى الجماعة، بالتعاون مع عدد من الشّخصيات المستقلّة (الإسلامية) والوطنية (من ذوي الخلفيات العلمانية أو غير المسلمة).

يجدر بالذكر أن الحزب، الذي يرفض أن يصنَّف كحزب إسلامي، قد تأسس بالمحاصصة، كما يلي: 33% من أعضائه إخوان، و 33% إسلاميين مستقلين، و 34% من الشخصيات الوطنية، وأنه اختار شخصية مسيحية لمنصب نائب الرئيس. ويعرّف الأستاذ محمد زهير الخطيب (العضو المؤسس والناطق الرسمي) حزب "وعد" بأنه: "حزب وطني مستقل، ذو مرجعية إسلامية وسطية، يعمل على ترسيخ قيم الحرية والعدالة بالوسائل الديمقراطية". الملاحظ أن التأكيد على كلمة "مستقل" تشير إلى أن المؤسسين يشعرون أن إحدى التحديات التي ستواجههم تتمثل في إقناع الآخرين بأن الحزب ليس ذراعا سياسية لجماعة الإخوان المسلمين! لا شك أن العبارات منتقاة بحذر وأناة، إلا أن التركيبة النسبية للأعضاء المؤسسين تبدو وكأن الحزب يضع إحدى رجليه على الضفة الإسلامية والأخرى على الضفة العلمانية، وبهذا فأي تباعد بين الضفتين سيكون حاسما بالنسبة لمصير الحزب! والحق يقال، فإن النقاشات التي خضناها حتى الآن مع بعض الأعضاء المؤسسين للحزب تشير إلى أن أعضاء الحزب الإسلاميين مستعدون على تقديم تنازلات "مؤلمة" في سبيل الحفاظ على تماسك الضفتين، على الأقل في هذه المرحلة الراهنة.

مفهوم "الأيديولوجية الإسلامية":

ليس هنا مجال التفصيل في تعريف الأيديولوجيا، ولكن لا بد أن أحدد مفهوم "الأيديولوجية الإسلامية" الذي أتحدث عنه. بشكل مختصر، فإن مفهوم "الأيديولوجية الإسلامية" الذي أشير إليه هنا هو الإيمان بأن "الإسلام دين ودولة"، وأنه لا يمكن الفصل بين الإسلام والسياسة لأن الإسلام يتضمن تشريعا شاملا ينظِّم حياة الفرد والمجتمع على جميع المستويات. لذلك فإن الإخوان المسلمين خاضوا معارك تاريخية ضارية وقدموا تضحيات كبيرة في سبيل بناء مؤسسات الدولة على الأسس الإسلامية. فلا تخفى على أحد، مثلا، المعارك السياسية التي خاضها الإخوان في عدد من الدول العربية والإسلامية من أجل جعل الشريعة الإسلامية مصدر التشريع "الأول" أو "الرئيس" أو "الأساس"، وأن "دين الدولة هو الإسلام" نصا صريحا في الدستور. بناء على ذلك فإن الأيديولوجية الإسلامية، في مفهوم الإخوان المسلمين، هي جزء لا يتجزأ من الإسلام، وبالتالي فإن التنازل عنها يعتبر تنازلا عن أحد أهم المبادئ الإسلامية.

إن التاريخ الدعوي والفكري والسياسي والنضالي الذي خاضته الجماعة في سوريا منذ تأسيسها إلى يومنا هذا إنما هو التعبير العملي لهذه "الأيديولوجية الإسلامية" التي تؤمن بها الجماعة وتتجلى في مواقفها وإيمانها بدور الإسلام في المجتمع والدولة. فما هو موقع هذه الأيديولوجية وهذا الإرث الفكري والسياسي والنضالي في برنامج عمل الجماعة لفترة ما بعد الثورة السورية؟

"وعد".. كخطوة واسعة على طريق التخلي عن الأيديولوجية الإسلامية (علمنة الإخوان)

لا شك أن الحزب الوليد (وعد) وضع الجماعة في مأزق فكري شديد الحساسية وفرض عليها استحقاقا لا يمكن الخروج منه إلا بمراجعة فكرية وتاريخية شاملة لمرحلة ما قبل الثورة، وتصور واضح لبرنامج عملها في المرحلة المستقبلية. الإشكالية تتعلق بعلاقة الحزب (وعد) بالجماعة، من ناحية، وبطبيعة دور الجماعة وعملها في المرحلة القادمة، من ناحية أخرى.

من جهة، تقول قيادة الجماعة، وأعضاؤها المؤسسون لحزب (وعد)، أن الحزب الجديد لا علاقة له بالجماعة، وأنها لن تمارس أي تأثير عليه. الحزب، كما تكرَّرَ على ألسنة مؤسسيه وبعض قادة الجماعة، ليس حزب جماعة الإخوان المسلمين ولا بديلا عنها، ولا هو ذراعها السياسية، ولا يعبر عن مواقفها في أي حال من الأحوال. بتعبير آخر، "أخطاؤه لن تحسب عليها"، كما يحاول أحد المؤسسين طمأنة قواعد وهيئات الجماعة..

إذا كان حزب وعد ليس ذراعا سياسية للجماعة، وبالتالي فهي لن تمارس السياسة من خلاله، فهل ستشارك الجماعة في الحياة السياسية كما كانت تفعل عبر مسيرتها التاريخية؟ هل ستخوض الانتخابات، وتعقد التحالفات، وتشارك في تشكيل الحكومات، وتطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية؟! هل ستؤسس حزبا آخر يمثلها وينطق باسمها لتمارس السياسة بشكل قانوني صريح؟

لا تخلوا الإجابة من أحد الاحتمالين: فإما أن الجماعة قد تخلت عن أيديولوجيتها الإسلامية وأصبحت جماعة دعوية، كالجماعات الصوفية والدعوية المنتشرة، أو أنها ستمارس السياسة وتعبر عن فكرها ومواقفها بطريقة أخرى لم تحسم بعد.

ولا يبدو حتى الآن أن لقادة الجماعة أو أعضائها من مؤسسي الحزب الجديد أي تصور واضح لكيفية التعامل مع هذا الواقع الجديد..

*تلخص هذه المقالة الانطباعات التي خرج بها الكاتب من النقاش المستمر مع بعض الأعضاء المؤسسين لحزب وعد وغيرهم من أعضاء الجماعة حول إشكالية علاقة الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين

مدير معهد الحكمة للدراسات العربية والإسلامية

باحث سابق في مركز الدول والمجتمعات الإسلامية في جامعة غرب أستراليا