نحتاج قيادة موحدة للثورة... وليس قائداً..

عقاب يحيى

قرأت مقالاً ينتشر، وبعضهم يعتبره مهماً، بعنوان : حاجة الثورة إلى قائد..

الكلمة بحد ذاتها، وقبل تحليل حيثياتها، وتاريخيتها في الواقع والذهن.. تثير الالتباس والاحتباس.. وتذكرنا ـ ابد الآبدين ـ بدور الفرد.. شبه المعصوم. المستبد العادل وغير العادل.. وربط تاريخنا به، وبأفعاله، ومزاجه، وقرن الأوضاع بطبيعته، وهل يكون عادلاً، واعياً، وطنياً، رؤوماً، رؤوماً. مؤمناً. أم " فظاً غليظ القلب"....وما تشكّل في وعينا وأذهاننا عن الإيمان بالفرد القائد، الملهم. الأبدي. الخارق . المحنك. صاحب الأمر والنهي..

وما تزال أمامنا صورة فاضحة. مشينة . معيبة . ل"لقائد الخالد" الذي صنعوه. كبّروه ونفخوا فيه وفي قدراته درجة الإعجاز والخوارق.. هو الذي لا يملك من مواصفات غير المقايضة، والحقد، واللؤم، والخبث، والفئوية، والاستهتار بقيم الحياة، وكرامة البشر، وقضايا الوطن والأمة.. فأقاموا له التماثيل.. حتى ما يشبه العبادة.. وجاء وريثه تواصلاً.. لتصنيعه أيضاً قائدا خارقا.. رغم إصابته بالعته، والنقص، وفجور الحقد..

****

نعم الثورة السورية افتقدت القيادة ـ وليس القائد ـ وكان ذلك أحد اسباب مشكلاتها الراهنة، وتفريخاتها، وتشعب مساربها..

انطلقت الثورة شبابية.. بلا تنظيم حزبي أو سياسي، أو اتفاق عام بين تلك المجاميع الناشطة..وعرف نظام الخبث أهمية أؤلئك الناشطين وهم ينضجون في تجربة قيادة حرامها السلمي ـ الشعبي.. فقام بعمليات تصفيات منظمة، واعتقالاات شاملة تناولت حتى النسق الثاني والثالث.. وبذهنه أن يجعل أرضها قاعاً صفصفاً.. وأن يوسّع دائرة الفراغ.. فتعتلي المعارضات التقليدية المواقع لتضخّ عجزها، وخلافاتها، وخطابها اللاهث، المتباين عن خطاب الشباب.. وديناميكيتهم.. فاختلطت الحدود، وبرزت إشكالات غياب القيادة الموحدة في كل ميدان.. لتصبح صارخة مع تعقّد لوحة الوضع السوري، وافتضاح حقائق الدعم الدولي، والإقليمي، والرهان عليه..وتعدد الرؤى والمواقف السياسية، والخيارات التي راحت تتناطح متنافسة، ثم تتصارع متحاربة..

ـ وتفرقع الوضع تناثراً... مع الإيغال بالعمل المسلح ومساراته، ودخول المال السياسي والإقليمي والدولي عليه.. ومعظم دوائر أجهزة الأمن ومؤسساتها الخطيرة وهي تتغلغل بأكثر من يافطة، وشكل.. لتزيد الطين بلّة.. وقد أصبح طيناً بلون الدم من جهة، ومثقلاً بقوة السلاح ومحاولاته الفرض من جهة أخرى ..لدرجة بات التوحيد فيها، والعودة إلى جوهر الثورة وشعاراتها أمراً غاية في التعقيد والصعوية، ويحتاج لما يشبه المعجزة وصولاً إليه.. حيث برزت.. قيادات.. ورموز.. وشخصيات مختلفة الوعي، والقدرة، والانتماء، والمرجعية، تتناطح وتتنافس فيما بينها درجة الاقتتال.. وتتسابق في عمليات التجاوز، والنهب، ووضع اليد على " الغنائم" ومقدرات البشر وحياتهم اليومية..

****

وحتى نكون موضوعيين.. نعم بعض الأشخاص يملكون مواصفات قيادية خاصة تركوا بعملهم بصماتهم الخاصة في التاريخ.. ونجحوا في حمل الأمانة ردحاً.. فخلدهم التاريخ رجالاً عظماء ابتلع ـ مقابل ذلك ـ عديد أخطائهم، وممارساتهم الأحادية والاستبدادية ..بما في ذلك الإرث الثقيل بعد رحيلهم..

ـ لكن الأحادية، وتركيز السلطات بيد شخص واحد ـ ايّاً كانت قدراته ـ ومنحه صلاحيات مطلقة، أو انتزاعها عبر تلك الذهنية السائدة في تركيبنا ووعينا عن الفرد ودوره، والقائد ومكانته، هي كارثية في أوضاعنا الراهنة، ومناقضة لألف باء التعددية، والديمقراطية، وقرار الشعب وحرياته، وخياراته..وقد تفتح من جديدي، وجديد.. ابواب الاستبداد بألوان مختلفة، ومضامين متشابهة..

ـ نعم يجب العمل على توحيد العمل الثوري.. بقيادة جماعية تنبت من رحم الثورة، وعبر مراجعات جدّية لمساراتها، وأخطائها، واسباب عدم انتصارها، وتحدي سمت التوجهات، وخريطة طريق المخارج.. وهي مهمة جميع المؤمنين بالثورة، الأوفياء لها..