نحن- السوريين- لا نملك ترف فتح المعارك الجانبية

وجهة نظر شخصية جدا، أدعو إليها، ولا ألزم بها أحدا.. وأجهر بها، أداء لحق النصح الذي كتبه الله على كل مسلم - والنصح لكل مسلم.

وعندما تسمعونني أجهر بالبحث عن مواقف المرجعيات والقيادات والهيئات والمنظمات، فإنما أفعل ذلك استئناسا بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما جُعل الإمام ليؤتم به". فما حالنا إذا أمّنا في صلاتنا في مسجدنا الجامع، إمام يركع ويسجد ويقوم دون أن يبلغ صوته الثلاثة ممن هم وراءه، وينسى أنه يؤم عشرات الصفوف. ويبقى الناس حائرين: ركع أو لم يركع،!!رفع أو لم يرفع!!

وإذا كان في أحكام فقهنا المقرر أن الفتوى تتغير زمانا ومكانا وشخصا، فإنني أقرر ،ومع الإقرار بحق التناصر بين أبناء الأمة الواحدة، فإننا نحن السوريين، قد نزل بنا من الكرب، ومن كلب العدو علينا، ومن تداعي الأمم على قصعتنا، ما جعلنا في وضع، أولى بالدفع عن أنفسنا، والانتصار لقضيتنا، والانشغال بعدونا، والقيام على ثغرتنا، وأعفانا إلى حد كبير مما هو سوى ذلك، إلا تحلة عهد، أو صلة رحم لا بد من بلالها، بأقل ما نقدر عليه من طاقة وجهد ووقت..

اجتهادي- وقد أكون مخطئا- فالخطأ في اجتهاد الإنسان يتردد به بين الأجر والأجرين، أن السوريين الغَداةَ مثل آل جعفر يوم وصل نعيه من مؤتة، قد نزل بهم ما يشغلهم، وهم إلى أن يعانوا - من العون- أقرب منهم أن يعينوا!! ولا أقول فلا ينتظر أحد ذلك منهم، بل سأقول فلا ينصرقنّ أحد منهم ليسير في جنائز الآخرين، وجنازة أبيه وابنه وأخيه في صحن داره لا تجد من يحملها...!!

كلمة الحق جميلة، ولكن لأن تقال بالحق ستكون أجمل. وفي مثل حالنا الذي صرنا إليه، ولا أريد أن أبالغ في التوصيف، فقد أسفر الصبح لذي عينين، فنحن لا نملك ترف أنه كلما عثرت شاة على شاطئ من المحيط إلى الخليج، على النيل أو الخليج، أو في حمى الرحمن، أن نُهرع لنشجب وندين، وقد يبالغ بعض من يحسب علينا فيذهب إلى التنديد والتخوين، والتكفير؛ ونحن صامتون، أو سامدون!! فأي عاقل يرضى أن يندد أو يخون، من كان بعض أمره أو أمر من يلوذ به بيده، ومعوّل كثير من أهله عليه!! وأنظر فإذا نحن على الخارطة منتشرون. تحت النخيل كما تحت الزيتون والليمون...

والشعب السوري إنما ثار ليدفع عنه الظلم الأكبر، الصادر عن ظالمه الأول، وعلى هذا ينبغي بنا الاشتغال. بل وعلى هذا وحده ينبغي بنا الاشتغال, وأما وقد ألجأنا ظالمنا في حربه علينا إلى الجدار ، فلم نعد نملك غير الجد والتشمير والمناجزة، وأن نردد قول الله تعالى (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ). لا يلتفت منا أحد عن محور جهدنا الرئيسي: طلبا لفكاك رقابنا ، ودفع صخرة الظلم عن شعبنا ووطننا.

وعلى محو رنا هذا، سنواجه كثيرا من التشاكسات والاختلاطات، وسنسمع في أمرنا خاصة كثيرا مما لا يرضينا، وستتصل أبصارنا وأسماعنا في هذا العالم المكشوف بكثير مما يغضبنا ولا يرضينا، وفي كل ذلك يجب أن يكون ضابطنا: "اطلب الحقَ برفق" "مر بالمعروف بالمعروف" وأن نعي جيدا أننا بحاجة إلى أن نعان، ولسنا قادرين على أن نعين...

وأتصور بعض قومنا وقد ملؤوا زنبيلهم بالحجارة ووقفوا على جانب الجادة، وكلما مرت بهم سيارة بيضاء أو صفراء أو حمراء أو سوداء وجدوا سببا لرجمها فرجموها وأوغلوا في الرجم... وهم بحاجة إلى سائقها أكبر...

حصل معي..

بالمشرمحي: نحن السوريين لا نملك ترف أن تكون لنا معركة إلا مع بشار الأسد وحلفائه المباشرين، الروس والإيرانيين..

ومن لم يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطئ بمنسم

والمصانعة بالمشرمحي: أن تتغافل وأن تتجاهل وأن تغض الطرف وأن تبلع الريق وأن تحتمل وأن تصل فلا تقطع، وإن ظننت أنهم قطعوا.. وحتى حين تتورط فتحارب، أن تترك للصلح مطرحا، وهذا بشار الأسد في حربه على سورية والسوريين... لم يترك للصلح مطرحا...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1068