الإبادة الجماعية في غزة نزعت مرة أخرى الشرعية عن مجلس الأمن الدولي

بداية لا بد من التذكير بأن مجلس الأمن الدولي إنما هو امتياز من الامتيازات التي حظيت بها القوى التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية ، وهو بمثابة مجلس وصاية على العالم بأسره، تسيطر عليه دول نووية تموه على هذه  السيطرة بإشراك دول لا وزن لها، شراكة صورية عبثية يحد من تأثيرها ما سمي بحق النقض " الفيتو " ، وهو سلطة لا سلطة فوقها في ذلك المجلس .

ومعلوم أن هذا الذي سمي حقا إنما هو امتياز، تمتن به الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على باقي دول العالم ، علما بأن تلك الحرب دارت أساسا في القارة الأوروبية  بين أنظمتها المتصارعة على احتلال شعوب مستضعفة ، طمعا في خيراتها ومقدراتها لضمان رفاهية شعوبها . وهذه الحرب  شأن أوروبي توسع نطاقها  ليصير دوليا محسوبا على دول لا ناقة لها ولا جمل في تلك الحرب، خصوصا  المستضعفة منها  التي  كانت ترزح تحت نير الاحتلال  الأوروبي ، وكان رعاياها عبيدا زج بهم جنودا  في تلك الحرب ، واستنزفت خيراتها ومقدراتها لتمويلها ، وصارت تلك الدول في عيرها ونفيرها رغما عنها.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ـ  وصفة العالمية رغما عن دول المعمور ـ  والدول المتميزة بالفيتو الطاغية به ، تعبث بمصير العالم  بأسره من خلال ستخدامه استخداما عابثا، لا يراعي قانونا ، أوعدلا ،  أو دينا ، أو أخلاقا .

وأكثر الكيانات استفادة من هذا الامتياز الظالم الذي لا مبرر له سوى الانتصار في تلك الحرب ، هو الكيان الصهيوني الذي اختلقه الغرب اختلاقا ، واستنبته في قلب الوطن العربي لحاجة في نفسه  لم تعد خافية . ولقد جعل الفيتو من هذا الكيان المارق كيانا فوق كل قانون سماوي أو وضعي ، يضرب عرض الحائط كل القرارات التي تعرض أمام مجلس الأمن ، وكلها قرارات فيها إدانة لجرائمه .

ومع توالي وتكرار تعطيل  الفيتو  لكل  القرارات التي تدين هذا الكيان العنصري ، كانت مصداقية وشرعية  مجلس الأمن تنهار شيئا فشيئا حتى صارت مع اندلاع حرب غزة الأخيرة مسخرة  ومهزلة . ومع صدور الفيتو الأمريكي يوم أمس ضد قرار اقترح وقف فوري للحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، وهو يتعرض لإبادة جماعية مكتملة الأركان كما يقول أصحاب القانون  إبادة قوامها إزهاق أرواح المدنيين العزل ، وتدمير مساكنهم تدميرا فوق ما تحدثه الزلازل الطبيعية ، والحصار الشامل  ، والتجويع  المهلك ، والتهجير القسري ،  تكون الإدارة الأمريكية طرفا مباشرا في هذه الإبادة ، لا قبل لمحكمة العدل الدولية بإدانته  مع ثبوت ضلوعه في الجرم ، وكفى بالفيتو دليلا قاطعا على ذلك ، لأنه عبارة عن إقرار صريح  بالإبادة الجماعية ، وتشجيع عليها مع الإصرار  .

 ولحظة رفع مندوب الولايات المتحدة يده الملطخة بالدم الفلسطيني  معلنا عن رفض قرار وقف الحرب ، كانت المدفعية الصهيونية  وطيرانها يقصف الشاحنات المحملة بالمئونة الغذائية والطبية المتوجه إلى المحاصرين في شمال قطاع غزة المجوعين الذين اضطروا إلى استعمال علف المواشي والدواب لإطعام أطفالهم الجياع . ولم يشعر هذا المندوب الوحشي الطباع ،هو وإدارته المتصهينة الوحشية بوخز ضمير ، ولا بخجل من عار سيلاحقه وإدارتها الآثمة إلى الأبد.

ولقد كان مجلس الأمن يوم أمس مجرد أداة طيعة كعادته  في يد مجلس الحرب الصهيوني يأتمر بأوامره ، لأن الإدارة الأمريكية توجد عناصر منها ضمن  عناصر مجلس الحرب الصهيوني . والسؤال المطروح بعد مهزلة الفيتو الأمريكي يوم أمس، ماذا بقي من صفة دولي التي يوصف بها مجلس الأمن ؟ أليس الأنسب أن يسمى مجلس الأمن الصهيوني ؟ وما الفائدة من انعقاد هذا المجلس لرفض وقف الحرب في غزة ، وقد قرر مجلس الحرب الصهيوني أن تستمر وألا تقف ؟

وما فائدة الأسف الذي أبداه بعض أعضاء مجلس الأمن الصوري ، وأبدته بعض الأنظمة العربية وغيرها من الأنظمة  الساكتة على أشنع وأفظع إبادة جماعية ترتكب في هذا العصر ضد الشعب الفلسطيني  ؟

إن الكيان الصهيوني العنصري المحتل لأرض فلسطين ، والمدعوم بالكيانات الغربية ، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية ، قد اختار الوقت المناسب ليحقق حلمه الذي ظل يعلنه منذ سنة 1948 ، وهو إنشاء الكيان القومي الصهيوني التوسعي من فرات العراق إلى نيل مصر , وإن هذا الوقت هو فترة ما بعد الإجهاز على ثورات الربيع العربي التي اندلعت من أجل الإطاحة بالأنظمة العربية المستبدة التي يقدم بقاؤها في السلطة أكبر خدمة للكيان الصهيوني من أجل تحقيق حلمه . ولقد أقلقت ثورات الربيع العربي الكيانات الغربية المؤيدة للكيان الصهيوني ، فبادرت إلى إجهاضها  بالقوة ، وبالمكر في مهدها ليظل الوضع في الوطن العربي على ما كان عليه يخدم الحلم  الصهيوني. وهكذا انتقل الكيان الصهيوني من مرحلة مسلسلات السلام  الوهمية السرابية إلى مسلسل التطبيع  الإجرائي ، وهو ما جعله  يشرع في تحقيق حلمه بداية من خطة الإبادة الجماعية في قطاع غزة ، وتهجير الناجين منها خارجها ، وانتهاء بالإعلان عن موت فكرة وطن فلسطيني مستقل يكون مجاورا له ، وكذا الاعلان عن تهويد القدس كاملة مع هدم المسجد الأقصى وبناء هيكله السليماني المزعوم ، وتحويل من في الضفة الغربية وفي قطاع غزة إلى عرب ضفة وغزة بعد ضمهما إلى سلطته ليكونوا كعرب 48 وتكون النتيجة أقلية فلسطينية وسط أغلبية صهيونية توسعية ،تحلم بوطن من الفرات إلى النيل يضم أقليات عربية أخرى ، تكون في خدمة شعب الله المختار.

الآن فقط عرفت الشعوب العربية لماذا أجهضت ثورات ربيعها،  وقد سقطت أقنعة  جميع من كانت لهم أيد ظاهرة أوخفية في هذا الاجهاض ، وهم الساكتون اليوم على  جرائم الإبادة الجماعية الوحشية  التي يواجهها الشعب الفلسطيني في غزة وفي القطاع أيضا . وإن القضية الفلسطينية بالنسبة لأصحاب الأقنعة الساقطة عبء يريدون التخلص منه بأسرع وقت ممكن من أجل  ضمان بقائهم في السلطة أطول مدة ممكنة ، لأن هذه القضية هي مصدر شؤم بالنسبة إليهم ، وهي وقود ثورات الشعوب العربية التي انتظرت طويلا كي تتحرر من الاستبداد ومن وضع ما بعد النكبة والنكسات  ، لهذا لا بد من التخلص منها بالنسبة لمن سقطتت أقنعتهم .

ولمن لا زال يشكك في هذا الذي بات جليا لا غبار عليه، فعليه أن يتابع ما يقوله قادة الكيان الصهيوني الذين يسيرون مجلس الحرب ، فبالأمس صرح أحدهم أن قضية الأسرى الذين تحتجزهم حركة حماس، لم تعد هي ما يشغل مجلس الحرب بل الذي يشغله هو القضاء على المقاومة ،وفرض السيطرة على القطاع والضفة معا، هكذا لم يعد الأسرى على رأس أولويات مجلس الحرب ،ولا يجب أن ننسى ذاك الذي اقترح إلقاء قنبلة نووية على القطاع لمحو أهله من الوجود ، كما أنه لا يجب أن ننسى من اعتبر أهل غزة مجرد وحوش يجب أن تباد إبادة جماعية .

ولقد حان الوقت كي نسقط من اعتبارنا مجلس الأمن ، ومحكمة العدل الدولية التي لا زالت تنتظر أن يرفع إليها نتنياهو تقريرا لتبرئة ذمته من جرائم الإبادة الجماعية التي تغض المحكمة الطرف عنها ، وقد عاينتها كل شعوب المعمور ، في حين عميت عنها عيون قضاة المحكمة  الجالسين على كراسيها الوثيرة.

ولقد عرف الشعب الفلسطيني أنه كما قال القائد المسلم طارق بن زياد رحمه الله  قد أصبحوا كالأيتام في مأدبة اللئام . وأي لؤم أكبر من لؤم كيانات عربية مجاورة لقطاع غزة، تمنع الطعام والماء والدواء عن مليوني فلسطيني ؟ وأي كرامة  أو رجولة أو شهامة أو عزة  أو شرف بقي لها وأطفال غزة يموتون جوعا وعطشا  وهم يقتاتون من علف المواشي والدواب ، ويشربون مياه المجاري ، في الوقت الذي يصل  الطعام والشراب  والدواء إلى الأسرى الصهاينة لدى حماس ، وتقام السهرات والمباريات الرياضية في كل الوطن العربي.

 ليس والله  أمام شعب غزة إلا الصدق والصبر كما قال القائد طارق رحمة الله عليه ، وليس لهم إلا عون الله عز وجل، وأيديهم على الزناد ، والتمسك بشعار نصر أو شهادة ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

وسوم: العدد 1070