نصر الله: مزاج انتصار وحشد مذهبي!!

ياسر الزعاترة

لم يكن الأمين العام لحزب الله بهذا المستوى من الزهو في أي يوم منذ اندلاع الثورة السورية، كما كان قبل أيام في خطابه المباشر (دون ساتر زجاجي) أمام الحشود بمناسبة عاشوراء ليلة الخميس الماضي. وإذا كان هذا البعد قد ظهر واضحا في خطابه، فإن البعد الآخر الذي لا يقل أهمية هو ارتفاع النبرة المذهبية لديه، الأمر الذي لم يُعرف عنه خلال السنوات. وإذا قيل إن المناسبة دينية، وتحتم عليه فعل ذلك كما سيذهب كثيرون، فإن الرد هو أنه كان يخطب في هذه المناسبة أغلب السنوات الماضية، من دون أن تعلو النبرة المذهبية في خطابه على هذا النحو، أما الأهم فيتمثل في أن هذا البعد قد برز أيضا ربما على نحو أكثر تشددا في خطابه بمناسبة يوم القدس العالمي (الجمعة الأخيرة من شهر رمضان).

في الخطاب المشار إليه، أعني خطاب يوم القدس العالمي، حدد نصر الله للمرة الأولى هوية حزب الله على نحو يختلف عن الهوية التي كان يقدم نفسها بها طوال ما يقرب منذ ثلاثة عقود، فقد قال إن حزب الله حزب شيعي إمامي اثني عشري، وتحدث أكثر من مرة قائلا “نحن شيعة الإمام علي بن أبي طالب”، ولم يكن ربطه لذلك بالدفاع عن قضية فلسطين أو القدس مقنعا بحال من الأحوال، إذ يعلم الجميع أن مقاومة الحزب قد انتهت بمرابطة قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، والاتفاق الذي جاء عقب حرب تموز 2006، وتم تناسي مزارع شبعا، وحتى ثأر عماد مغنية، بينما تحول سلاح حزب الله إلى سلاح للداخل، وبعد ذلك إلى سلاح يتوجه لصدور الشعب السوري بدعوى الدفاع عن ظهر المقاومة!!

في الخطاب الأخير (خطاب عاشوراء) تكرّس البعد المذهبي أكثر فأكثر، ما يؤكد أن الشعور بالعزلة عن الغالبية الساحقة من الأمة (السنّة) قد تأكد في وعي نصر الله، ما دفعه إلى السعي إلى حشد أتباع المذهب من حوله، وتبعا لذلك حول السياسات الإيرانية، وإلا فكيف نفسر مثلا حديثه في الخطابين عن قضايا تخص الطائفة وليس شيعة لبنان فحسب، حيث ذكر التفجيرات التي تطال الشيعة في باكستان وأفغانستان والعراق، والاستهداف في البحرين (لا خلاف على إدانة أية تفجيرات تطال المدنيين الأبرياء في أي مكان، من دون أن ننسى أنه ما من جرائم ارتكبت أفظع من تلك التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه).

حين يشعر القائد السياسي بفقدان الحاضنة الأكبر، فإنه يلجأ إلى استنفار الحاضنة الأصغر للوقوف إلى جانبه، وهنا في الحالة الراهنة خسر حزب الله فضاءه الإسلامي العام، وانتهى حزبا شيعيا معزولا، وإن استمر بعض اليساريين والقوميين في تأييده، ولا ندري ما هي مشاعرهم وهم يسمعون هذا الخطاب المذهبي، فضلا عن الأسئلة التي تجتاح غالبية الأمة حين يجري الاحتفال بالحسين الشهيد، في ذات الوقت الذي يجري فيه التأكيد على نصرة طاغية يقتل شعبه؟!

البعد الآخر الذي وسم الخطاب هو الشعور بالزهو بسبب التقدم الذي أحزره ويحزره النظام في سوريا، أو يحرزه التحالف الإيراني بتعبير أدق، إذ يعلم الجميع أن جيش بشار لم يعد بوسعه تحقيق أي من الإنجازات الأخيرة بعد أن انهار طوال عامين من الاستنزاف، وهي إنجازات يقف خلفها الحرس الثوري الذي يقود مقاتلي حزب الله والكتائب الشيعية القادمة من الخارج، ومعهم ما تبقى من جيش النظام؛ النظام الذي قال عنه أحد مقاتلي الحزب لمراسل مجلة تايم الأمريكية “إذا لم ندافع” عنه “فإنه سيسقط في غضون ساعات”.

لم يكن نصر الله هو وحده من أظهر الشعور المفرط بالقوة وزهو الانتصار، هو الذي فعل ذلك أيضا في سياق رسالة سبقت خطاب عاشوراء بأيام قال فيها إن ذهاب حزب الله إلى سوريا “كان أكثر من ضرورة وواجب”، مضيفا “لو لم نذهب إلى سوريا، لتحوّل لبنان عراقا ثانيا”.

ثم تبعه نائبه الشيخ نعيم قاسم، ثم زعيم كتلة الحزب البرلمانية (محمد رعد)، وكلاهما تحدث بمزاج انتصار، بل بمزاج غطرسة كما كان حال الثاني الذي وصل به الحال حد مخاطبة خصومه اللبنانيين (عمادهم السنّة كما يعلم الجميع) بالقول “نحن قلبنا الطاولة على رؤوسكم، وإياكم أن تفكروا بمثلها، نحن دافعنا عن أنفسنا وعن لبناننا بما يتطلبه الدفاع، لكن حذار ان تجبرونا على أن نتصرف بغير الدفاع”. ولم يكتف بذلك، بل سخر من سياسة النأي بالنفس قائلا “لا توجد وسطية اسمها النأي بالنفس، هذه الوسطية الحيادية هي انحياز لمعسكر الباطل، عن قصد أو عن غير قصد”.

ربما كان بالإمكان القول إن وضع النظام السوري قد بات أفضل، أو أنه نجا من السقوط في الأمد القريب، الأمر الذي يستحق الاحتفال من طرف الحزب، ومجمل التحالف الإيراني، لكن ذلك لا ينفي أن الحسم العسكري ليس واردا في المقابل، لا في المدى القريب، ولا حتى المتوسط، وأن الاستنزاف سيتواصل (له ولإيران وحلفائها) إذا لم تكن هناك تسوية يقبل بها السوريون والقوى الداعمة لهم، أو أكثرها في أقل تقدير. أما الأهم فهو أن خسارة التحالف المذكور لغالبية الأمة لا توازيها خسارة، وهي خسارة سيكون لها ما بعدها، فهل كان الحفاظ على بشار يستحق ذلك، بل ألم يكن من الأفضل لو نصحوه منذ البداية بتقديم تنازلات للشعب لن تكون بحال أسوأ مما سيضطر إلى تقديمه في أية تسوية، هذا إذا كان بالإمكان التوصل إليها فعلا؟!