سأكتب اليوم فأكون أكثر إيضاحا
عن عدي بن الرقاع العاملي وعن ابنته الطفلة سلمى، وعنا وعنهم، ولعلي أرد حقا إلى نصابه…
وليلحق كل طائر بسربه، وفي سرب السيمرغ لفريد الدين العطار، لم يكن مكان للغربان.
ويذكر التاريخ، تاريخ السياسة والأدب، أن عدي بن الرقاع العاملي، نسبة إلى جده عاملة، وليس إلى الجبل المفتون، نزل دمشق في أوج عزها، في زمن الوليد بن عبد الملك، فأصاب فيها وحظي وبظي، عند الخليفة وعند مجمع الشعراء، وسار شعره وساد عند الأدباء..!!
فحسده الحاسدون، وضج منه الحاقدون، ومكر به الماكرون، حتى كان وسط الناس، مثل الخليل إبراهيم في نار نمرود، حتى "سام أبرص" ونحوه ممن لا يؤبه له، ولا يُسمع منه، حمل قشة في فيه، يؤز بها النار عليه، لا ليوريها، وإنما ليدلل على خساسة وهشاشة وسوء اختيار، لعله تكون له عند نماريد الزمان، ولكل زمن نماريده وفراعينه، حظوة..!! كذا قالوا
قالوا في كتب الأدب واجتمع طائفة من هذا الوزغ، الذي صح في حديث مسلم الندب إلى مبادرتهم ، وانه من قتل وزغة بأول ضربة كانت له مائة، لكي يهاجوا الشاعر المتمكن الأمكن الذي خلب الفطناء والأدباء بمثل قوله:
تزجي أغنّ كأن إبرة روقه .. قلم أصلب من الدواة مدادها..
وقف عشرة من الشعراء بباب الشاعر، وطرقوا عليه الباب، فخرجت إليهم طِفلة طَفلة لم تبلغ العاشرة، فسألتهم: ماذا تريدون؟؟
قالوا: نريد أباك لنهاجيه!! فأجابتهم من غير تفكر:
تجمعتم من كل أوب ووجهة..
على واحد، ما زلتم في قرن واحد
قالوا: فقمعتهم حتى ولوا هاربين.. وأتابع اليوم المشهد في صور كثيرة، وأقلبه فيتجلى معي كما أرى وترون، حيث يخف كل التنابيل لكي يرموا عدي بن الرقاع، وتبتسم ابنته، وهي تدعو: ما زلتم في قرن واحد…
من "صور باهر" كانت البداية، وبالأمس كان المطلب الصهيوني، هو نفسه المطلب الأمريكي والأوربي والروسي والصيني والإيراني والا…والا.. وما أكاد أنهي العدد، أليس عجيبا يا قوم أن لا يجمع هذا الناس على أحد كما أجمعوا على..
ولا يزال بشار الأسد صاحب صيدنايا وفرع فلسطين والسارين والكلور ، يجد من يدافع عنه، ويرفع رايته، بينما يحمل أحدهم رغيفه ليغمسه ما شاء في دم الشهداء والضحايا والمظلومين..في ساحات حماة مرة، وفي حي المشارقة من حلب أخرى، وفي قلب جسر الشغور ثالثة، أو على أعواد المشانق من تدمر أخرى.. يقولون: لم ينجحوا:
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده ... وليس عليه أن تتم المقاصد
وأعود…
وأنا أكتب ما أكتب حبا للنَصَف، ولست على أحد من الناس بمسيطر، ولست على أحد من الناس بوكيل..
وإذا كانت لقولي وقول أمثالي وأحبابي في الناس شرعية فهي شرعية مستمدة من قول ربنا تبارك وتعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
فحسب هذه الكينونة في شرعيتها، هذا الأمر الذي يبقى مفتوحا على الزمان، ليعمل عليه العاملون.
ومعنى الأمة في هذا السياق، من معناها حيث قال: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ)
ويعززه قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
نعم هي وأخواتها من الجماعات القائمين بالحق على الحق.. لا يحتاجون في دعوتهم إلى الصلاة "حي على الصلاة" وفي دعوتهم إلى الخير "حي على الفلاح" إلى أذن أو ترخيص أو تقنين. وعندما منعهم حافظ الرجيم من الصلاة في سجن تدمر، صلوا بأعينهم، وبقلوبهم والناس عنهم غافلون…
(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)
وما زال يردني سؤال منذ أسبوع: هل؟؟ وهل؟؟ وهل؟؟
لست المهلهِل، وما يكون لي أن أجيب، ولكن أعلم أن لا سياق للهلهلة لا من قبل ولا من بعد…
مكاننا في هذا السياق، ونرى شياطين الجن والإنس تحيط بإسلامنا وأمتنا ووطننا وشعبنا، أن نكون على الحق أعوانا، ممدين غير مستمدين. نعين من استعان، وندعو لمن عزم واكتفى، وننصح إن رأينا للنصح مساغا، ونصمت إن وجدنا الصمت حكمة ووقارا…
باختصار شديد وأقوله بعلم أولي، وليس بعلم محدث: ما كنا لنطلب، وما كنا لنحرجهم في المقام الذي هم فيه. ونفهم المعادلة بأبعادها دولية وإقليمية. وإنما العبرة للمعاني وليست للعناوين والمباني، وندعو: اللهم مكّن للقائمين على الحق من عبادك في الأرض.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
وسوم: العدد 1124