مودي ونتنياهو… استنساخ للنموذج الأكثر وحشية

اندلعت المواجهات بين الجارين النوويين، الهند وباكستان، في الأيام اأخيرة. وهذه المواجهات ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، ما دام الجرح النازف في كشمير لأكثر من 76 سنة لم يندمل. تغييب الصراع لا يعني اختفاءه. هكذا ظن نتنياهو عندما رفع خريطة للكيان الصهيوني في قاعة الجمعية العامة يوم 22 سبتمبر 2023 غيّب فيها فلسطين تماما وكأنها غير موجودة. وهكذا ظن ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند، عندما ألقى كلمة بلاده في الجمعية العامة وجاهيا عام 2019 دون أن يتطرق لكشمير. الهند تبادلت العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني عام 1992 بعد أن كانت من أصلب المؤيدين للفلسطينيين وقضيتهم العادلة. وكانت من بين الدول الثلاث عشرة، التي صوتت ضد قرار التقسيم عام 1947.

ومن مصادفات القدر أن قضيتي فلسطين وكشمير دخلتا جدول أعمال الأمم المتحدة في الوقت نفسه وواجهتا المصير نفسه تقريبا. الهند سيطرت على 57% من أرض كشمير وإسرائيل اغتصبت 78% من فلسطين. الأمم المتحدة أنشأت «منظمة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة (UNTSO) في فلسطين في مايو 1948، وكذلك أنشأت بعثة الأمم المتحدة للمراقبة بين الهند وباكستان (UNGOMIP) في يناير 1949. تم تغييب القضيتين بعد عام 1951. لكن فلسطين عادت بقوة بعد حرب أكتوبر عام 1973، إلا أن قضية كشمير نادرا ما تطل برأسها في مجلس الأمن، أو الجمعية العامة إلا عند حالات التوتر أو المواجهات بين الهند وباكستان ثم تعود للغياب. ولا بد أن نوضح بعض الحقائق كي يكون القارئ على بينة من جذور الأزمة بين الدولتين الجارتين، اللتين خاضتا ثلاث حروب كبرى، عدا المناوشات التي لم تتوقف.

جذور المشكلة

كشمير، مثل فلسطين، قطعة من الجنة على الأرض. تصل مساحتها إلى ست وثمانين ألف ميل مربع تعادل ثلاثة أضعاف مساحات هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ مجتمعة. يصل عدد سكانها نحو 20 مليون موزعين بين الشطرين الهندي والباكستاني ودول الشتات. حباها الله بكل أسباب الثروة والجمال والموقع الاستراتيجي تحت قدمي الهملايا قرب دول نووية ثلاث، الصين وباكستان والهند. وقد دبرت حكاية طلب الحاكم الهندي «المهراجا» عام 1946 بالبقاء مع الهند. وكان قد اتفق مع الزعيم المحلي الشيخ عبد الله الانضمام للهند بدل الاستقلال، وأقنع السلطات الهندية، أن الغالبية من السكان تريد البقاء تحت سيطرة الهند. لكن سكان الإقليم أطلقوا موجة احتجاجات ومظاهرات، وبدأوا يقاومون الضم بالقوة فقامت الهند بإرسال قوات محمولة لإخماد حركة الاحتجاج، ما دعا إلى تدخل قوات قبلية وباكستانية لنصرة الكشميريين. من هنا بدأ النزاع وأدى إلى تمزق الإقليم بين الهند وباكستان، وبقي النزاع كل هذه السنوات يحتد مرة ويبرد مرارا، ليعود إلى الواجهة مرة أخرى كما حدث منذ 22 مارس الماضي. بعد انتخاب ناريندرا مودي لرئاسة وزراء الهند عام 2014، حيث اكتسب شعبية كبيرة بناء على حملته العنصرية لإعلاء القومية الهندوسية والتمييز العنصري ضد المسلمين. وكان متهما بأنه ضالع في الإرهاب، واسمه مدرج على قوائم الممنوعين من دخول الولايات المتحدة بسبب ضلوعه في حرق مسجد بابري التاريخي عام 1992، حيث أدت المواجهات إلى مقتل أكثر من 700 مسلم. وفي عام 2024 دشن مودي معبدا هندوسيا، مكان المسجد. بدأت علاقات مودي ترتقي مع إسرائيل، ووقع الطرفان اتفاقية تعاون استراتيجي عام 2017. وارتفعت التجارة بين البلدين من 200 مليون دولار عام 1992 إلى عشرة مليارات دولار عام 2023. وفي زيارة عمل لدلهي عام 2018 للمشاركة في ندوة حول الأمن في جنوب غرب آسيا، وكانت ورقتي حول دور الأمم المتحدة والقضية الفلسطينية، أصبت بالعجب لكثرة المدافعين عن إسرائيل، حيث استطاعت إسرائيل أن تكوّن جماعات ضغط هندية تساند الموقف الإسرائيلي، وتقوم وزارة الخارجية الإسرائيلية بدعوة الشباب الهندي من الوزارات ذات الصلة لزيارة إسرائيل لتلقينهم السرديات الصهيونية، وغسيل أدمغتهم.

استنساخ القوانين العنصرية

نلاحظ التشابه الشديد بين الرجلين في العنصرية والاعتداد بالذات والتاريخ الدموي، كما نشاهد استنساخ الهند للممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتطبيقها في إقليم جامو وكشمير المحتلة.

– بعد اعتماد الكنيست الصهيوني تعريف هوية الدولة عام 2018 الذي حدد أن حق تقرير المصير ينطبق على اليهود فقط بين النهر والبحر، ما يعني ضم كل الأراضي المحتلة وإلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية، واعتبار الفلسطينيين أفرادا دون حقوق، قام مودي كذلك يوم 5 أغسطس 2019، بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، التي تمنح الحكم الذاتي لمنطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة، وهو الوضع الذي ظل سائداً طوال 70 سنة. وهذا القرار الغريب مخالف للقانون الدولي بشكل صارخ إذ إنه ينتهك العديد من القرارات الدولية، خاصة قرارات مجلس الأمن التي تدعم حق شعب كشمير في تقرير مصيره عن طريق استفتاء حر عادل ونزيه كما نص على ذلك القرار 47 (1948) والقرار 91 (1951) الذي دعا إلى تحكيم محكمة العدل الدولية ورفضته الهند.

– وسع الكيان الصهيوني حركة الاستيطان حيث تضاعف عدد المستوطنين من 150 ألفا عند توقيع اتفاق أوسلو إلى نحو 750 ألفا عام 2023. لقد اعتبر الكنيست الاستيطان قيمة يهودية يجب أن ترعاها الدولة. واعتبرت الضفة الغربية «يهودا والسامرة» والقدس عاصمة موحدة للكيان.

– قام مودي بدعم الاستيطان في كشمير ومنح نحو أربعة ملايين رخصة بناء للهندوس واعتبار كشمير أرضا هندية تماما.

– كثف الكيان الصهيوني من عملياته العسكرية في الضفة الغربية وغزة. فقد نفذت القوات الصهيونية أربع حروب في غزة قبل عملية الطوفان. كما تعرضت مدن ومخيمات الضفة الغربية لأكبر عملية قتل واقتحامات وهدم، واعتُبر عاما 2022 و2023 الأكثر دموية منذ 2005، أي قبل الطوفان.

أما في الهند فقد أرسل مودي بعد قرار الضم أكثر من عشرة آلاف جندي إضافي لكشمير، مدججين بالسلاح ليصل العدد إلى نحو نصف مليون جندي، باشروا فورا باستخدام الذخيرة الحية لقمع الاحتجاجات، وقمع المتظاهرين وهدم البيوت واعتقال الناشطين. كما تم قطع خطوط الاتصال وشبكات الإنترنت كافة، عن كشمير وأصبح الإقليم معزولا تماما عن بقية الهند والعالم.

– تتهم إسرائيل كل من يقاومها بالسلاح، أو بالمظاهرة أو بالإضراب أو برمي حجر أو برفع العلم أو بتقديم تقارير مصورة أنه إرهابي يجب تصفيته وقتله فورا. وتحمل المسؤولية لكل الأطراف، الفصائل والسلطة وإيران. وكأن الطفل الذي يرمي حجرا على دبابة ينفذ أمرا جاءه من خامنئي. الهند تتبع الأسلوب نفسه حرفيا. كل من يقاوم الاحتلال الهندي يتم تصفيته وهدم بيته وزج عائلته في السجون. وتوجه الهند الاتهام فورا إلى باكستان. وكأن الكشميري، الذي قتل أهله وهدم بيته وزج أصدقاؤه في السجن، ينتظر أوامر من رئيس وزراء الهند ليقاوم الاحتلال الهندي.

– كلا الطرفين يقصفان المدنيين ويدعيان أنهما قصفا مواقع الإرهابيين.

تقول منظمة العفو الدولية حول الوضع الآن في جامو وكشمير: «تقوم حكومة الهند بتقييد الحريات، من خلال إيقاف قدرة المواطنين على التواصل مع بعضهم بعضا، ومع بقية العالم، بفرض منع التجول بحيث تمنع الناس من مغادرة منازلهم، في الوقت الذي تتدفق فيه التقارير حول الغارات والاعتقالات والاشتباكات والاعتقالات. وهذا الحظر الشامل للتجول لم يؤد فقط إلى ترك الناس، الذين تقطعت بهم السبل فريسة للذعر ومحاولات التمرد، بل أثر أيضا على قدرة الأطباء والعاملين في المجال الإنساني على أداء عملهم بفعالية». وكأنك تقرأ ما يجري في غزة. لقد سبب الإقليم ثلاث حروب بين الجارين، ونتمنى ألا تكون هذه المناوشات الحالية بداية حرب رابعة قد تنفلت من أي عقال وتتحول إلى مواجهات قاسية بين جارين نوويين لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائجها.

وسوم: العدد 1125