أثر الأخلاق في مسيرة التعليم
إن للأخلاق الحميدة والسيرة الفاضلة التي يتحلى بها المعلمون والمعلمات أثرًا عظيمًا في بناء الأجيال، وتوجيههم نحو السلوك القويم والمنهج السديد. فالمعلّم ليس مجرّد ناقلٍ للمعلومات أو ملقّنٍ للمعارف، بل هو قدوةٌ في السلوك، ومصدرُ إلهامٍ في القيم، ومربٍّ للأخلاق قبل أن يكون موجهًا للمقررات.
لقد حفل تاريخ التعليم في أمتنا العربية بنماذج مشرّفة من المعلمين والمعلمات الذين اقترنت رسالتهم التربوية بمكارم الأخلاق، فكانوا مثالًا يُحتذى في الجد والاجتهاد، والرحمة والانضباط، والتفاني في أداء الأمانة العلمية والتربوية. وكان للتواصل المتين بين البيت والمدرسة دورٌ جوهري في تنمية سلوك الأبناء وتهذيبه، فارتقوا في تحصيلهم العلمي، واستقاموا في سلوكهم الاجتماعي.
ولقد كان للتفاهم والتعاون بين الأسرة والمؤسسة التعليمية الأثر الأبرز في غرس القيم النبيلة، وصناعة جيلٍ متوازنٍ، يتحلى بصفات الصبر، والصدق، والتسامح، والتعاون، والانضباط. فالأخلاق ليست ترفًا فكريًّا، بل هي حجر الزاوية في صرح التعليم، والأساس المتين لبناء إنسان صالح، ينهض بأمته، ويسهم في رقيّها.
وما أعظمَ ما أنجزته الحضارات العريقة التي قامت على قواعد الأخلاق والعدل، لا على القوة والهيمنة. لقد كان المعلّم في مجتمعه يُجلّ ويُوقر، لما يحمله من رسالة سامية، وما يغرسه من بذور الخير في نفوس الناشئة.
ولم يكن أثر الأخلاق حكرًا على المؤسسات التعليمية، بل تعدّاها ليشمل جميع مفاصل الدولة. فقد وجّه النبي الكريم ﷺ جنوده وهم ينشرون نور الإسلام أن لا يقتلوا شيخًا كبيرًا، ولا امرأةً، ولا طفلًا، ولا جريحًا، ولا راهبًا في صومعته، وأن لا يقطعوا شجرة. إنها وصايا إنسانية عظيمة تُجسد عظمة الإسلام، وتُظهر احترامه للإنسان كإنسان، مهما اختلفت الأديان، وتنوعت الأعراق، وتعدّدت الثقافات.
وهكذا تُترجم الأخلاق السامية إلى سلوك عمليّ لدى الحُكّام والعلماء والمربّين، وسائر أصحاب المسؤوليات، فتُظلل المجتمع بقيم التسامح، والتعايش، والتعارف، التي أنزل الله تعالى من أجلها الآيات البيّنات. فرغم اختلاف الخلق في أشكالهم وثقافاتهم ومعتقداتهم، إلا أنهم لا يختلفون في حاجتهم إلى الأخلاق، ولا في أثرها العظيم في بناء مجتمعات مستقرة وآمنة.
ومن يتجاوز هذه القيم، وينأى عن ضوئها، فهو في الحقيقة قد ابتعد عن جوهر الإنسانية التي خُلق ليكون أحد روّادها. فلدينا معجمٌ أخلاقيّ غنيّ ونفيس، من المزايا والشمائل التي ترفع الإنسان إلى أعلى مراتب الإحسان والقبول. فالرحمة، والرأفة، والأمانة، والمروءة، والحِلم، وسائر الصفات الحميدة التي تتزيّن بها الثقافة العربية والإسلامية، ما هي إلا امتداد لهدي النبوة، ونور الرسالة، وسلوك الأنبياء والعظماء والمصلحين.
وفي زماننا الحاضر، نحن أحوج ما نكون إلى العودة الصادقة لمنظومة الأخلاق في التعليم، خاصة في ظل الانفلات القيمي، وانتشار السلوكيات السلبية، وفقدان القدوة في كثير من البيئات التربوية. فالتفريط في غرس القيم يؤدي إلى ضعف الانتماء، وتمرد الأبناء، وتفكك الأسرة، وتدهور مستوى الانضباط في المدارس، وتفاقم المشكلات الاجتماعية.
والتقصير في ترسيخ الأخلاق في العملية التعليمية خطرٌ داهمٌ، لا سيما في ظل التحديات المعاصرة. فإن لم نحرص، نحن المعلمين والمعلمات والموجّهين والمدربين، على غرس هذه القيم، وتعزيزها في نفوس الطلاب والطالبات، فسيكون التمرد على القيم هو النتيجة، وستكون العاقبة وخيمة.
وقد نرى شابًا يعقّ والديه، أو يعتدي على أمه وأخته، أو يرفض الانضباط في بيئته، فيجلب المشاكل والمآسي، ويمضي في طريق الضياع والموبقات، كما نراه في كثير من المجتمعات حول العالم.
وإن الشاب والشابة، إذا غفلا عن المعاني السامية للجلوس في الفصول الدراسية، وغابت عن أذهانهما القيم الأخلاقية، فسيكون الفشل رفيقهما، وقد تسوقهما الأقدار إلى مهاوي الانحراف، والإدمان، والخيبة. فالأخلاق هي الحصن الذي يحمي، والسراج الذي ينير.
ومن هنا، فإن واجبنا أن نغرس في أبنائنا روح الولاء لقيم الأخلاق، والوفاء لرسالة العلم، والاعتزاز بالقدوة الحسنة، ليكونوا في المستقبل قادةً مصلحين، ورُسلاً للخير في مجتمعاتهم.
قال رسول الله ﷺ: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا."
فحُسن الخلق ميزانٌ يُرفع به الإنسان في الدنيا، ويُثقل به ميزانه في الآخرة.
وقد رُويت عن النبي ﷺ قصة امرأة، لم تكن كثيرة الصلاة أو الصيام، لكنها كانت لا تؤذي جيرانها، فقال عنها: "هي في الجنة."
بينما ذُكرت امرأة كثيرة الصلاة والصيام، لكنها كانت تؤذي جيرانها، فقال عنها: "هي في النار."
فطوبى للمعلمين والمعلمات الذين يحملون مشعل الأخلاق، ويبثّون نورها في عقول وقلوب طلابهم وطالباتهم، وطوبى لكل طالب وطالبة يتحلون بحُسن الخلق، فهم محل الاحترام في مجتمعاتهم، ومحل الرضا والقبول عند ربهم، وهم الفائزون في الدنيا والآخرة، بإذن الله تعالى.
د. سندس اللامي
رئيسة جمعية المرأة العربية في جويلف
ومديرة أكاديمية القلم للغات
وسوم: العدد 1125