للإسرائيليين: جنودنا “الأكثر إجرامية في العالم”.. “الرايخ الصهيوني” يبيد غزة
حتى لو كان هذا ليس الهدف من أقواله عن قتل الأطفال في غزة، فإن يئير غولان أطلق رصاصة البداية لعملية ستستمر سنوات بعد انتهاء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل. تم الرد على أقواله غير اللطيفة في هجمات إجرامية من جانب قادة الإبادة الجماعية، من نتنياهو وحتى سموتريتش، ومن يقفون خلفهم: بني غانتس، افيغدور ليبرمان ويئير لبيد، بسبب كلمة “هواية”. ولكن هذا ليس الأساس. المهم هو مواجهة جرائم الحرب التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، الذراع التنفيذي لسياسة الإبادة التي تمليها الحكومة. جيش الشعب، أبناؤنا وبناتنا، ينفذون جرائم حرب وإبادة جماعية. ولكن هذا موضوع المجتمع الإسرائيلي غير قادر على لمسه.
في تحقيق ينيف كوفوفيتش (“هآرتس”، 18/12/2024) تحدث جنود عما حدث في محور نتساريم بعد أن أعلنه الجيش الإسرائيلي منطقة محظورة أثناء تقسيم القطاع إلى قسمين: كل من اجتاز الخط الوهمي تم إطلاق النار عليه وقتله، هكذا حدث أيضاً مع الذين ضلوا طريقهم ولم يكونوا مسلحين، أو لأنهم ركبوا دراجات. لا توجد قوانين في مناطق الإبادة، وكل جسم يتحرك هدف. هذه شهادات قاسية بدون شك، لكن الشهادات الأقسى لا تنشرها الصحف الإسرائيلية، ولا حتى في “هآرتس”.
طبيبان متطوعان تحدثا مع موقع “بوليتيكو” في 19/7/2024 عن الواقع في مستشفى في خان يونس، قالا: “مررنا على صفوف من الأطفال قبل سن البلوغ، الذين أطلق جنود إسرائيليون النار على رؤوسهم، وكانوا يموتون ببطء. وعلى الفور، وصل أطفال جدد بعدهم، وقد أطلقت النار على رؤوسهم. قالت عائلاتهم إن الأطفال كانوا يلعبون في البيت أو في الشارع عندما أطلقت القوات الإسرائيلية النار عليهم”.
طبيب كندي عمل في مستشفى في رفح، وصف صورة مشابهة لصحيفة “لوس أنجليس تايمز” في 16/2/2024: “سألت ممرضة عن الخلفية، فقالت لي إن الأطفال تم إحضارهم قبل بضع ساعات. كانوا مصابين في رؤوسهم بنار قناص، كانوا أبناء 7 – 8 سنوات… وشاهدت أطفالاً أصغر منهم مصابين بنار قناص في الرأس والصدر. لم يكونوا مقاتلين، بل أطفال صغار”.
كل هذا نقطة في بحر. متى سيكون المجتمع قادراً على النظر مباشرة إلى هذه الفظائع التي تنفذ دون إلقاء المسؤولية على متخذي القرارات أصحاب أجندة الإبادة، أو مجموعات صغيرة تؤمن بأن إبادة سكان غزة كله أمر مشروع ومبرر؟ متى سيكون قادراً على مواجهة الماضي، والاعتراف بالخطأ الفظيع والبدء في عملية التوبة، والعلاج، وإعادة البناء؟ إذا نظرنا إلى تاريخ ألمانيا، فهذا قد يستغرق سنوات كثيرة.
عقب توجيهات المستوى السياسي، تصدر القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي أوامر لها تداعيات إجرامية، ومئات آلاف الجنود الذين ينفذونها لم يعد بالإمكان اعتبارهم أبرياء. الجميع شركاء في جريمة الإبادة الجماعية.
المؤرخ عومر بار طوف، أثبت في بحثه المهم عن الرايخ (جيش هتلر، دبير، 998) بأنه في مراحل تجنيد جنود الرايخ تم تشكيلهم من قبل منظومة تعليمية – دعائية، عرضت أسطورة الشيطان اليهودي – البلشفي، كتهديد لوجود الشعب الألماني. عند غزو الاتحاد السوفييتي، تسربت هذه الأيديولوجيا إلى الأوامر الحربية. اعتبرت الحرب مهمة تدمير، وليس مواجهة عسكرية عادية. إن ظروف جبهة بربرية وخسائر كبيرة وثقافة نهب الممتلكات، عززت نزع الإنسانية المطلق لليهود والسلافيين. الجنود اعتبروا العنف والقتل الجماعي أموراً مشروعة، وحتى إنها مطلوبة. استنتج بار طوف أن إدراك المشروع الأيديولوجي العنصري النازي يشرح التماهي الدائم للجندي الألماني مع أهداف الحرب للقيادة السياسية حتى انهيار ألمانيا.
لا يوجد في الجيش الإسرائيلي منظومة تلقين سياسية وأيديولوجية تشبه المنظومة التي كانت في الجيش الألماني. ولكن عدداً غير قليل من الجنود في الوحدات الميدانية يستمعون لقيادة دينية قومية متطرفة، بالأساس الحاخامات المتطرفين، الذين منذ سنوات قبل الحرب الحالية يعتبرون الحرب مع العدو الفلسطيني حرباً أيديولوجية وليس مواجهة عسكرية معقدة.
مثلما تحول اليهودي من ناحية الرايخ من إنسان إلى يهودي بلشفي، هكذا تحول الفلسطيني في إسرائيل من إنسان إلى مخرب – نازي. هذه البلاغة مبنية على مصطلحات دينية تقتضي من الجنود التعامل مع الحرب كحرب مقدسة، وتبرر نزع الإنسانية وإبادة الفلسطينيين. على سبيل المثال، في عملية “الرصاص المصبوب” (2009) نشر أن الحاخام العسكري الرئيس في حينه افيحاي روندسكي، قال: “ملعون من يشفق على العدو في الحرب”. وفي عملية “الجرف الصامد” (تموز 2014)، نشر قائد لواء جفعاتي، العقيد عوفر فنتر، على مرؤوسيه صفحة أوامر للقائد كتب فيها: “التاريخ اختارنا لنكون رأس الحربة لمحاربة العدو الإرهابي الغزي، الذي يدنس ويلوث ويلعن إله معارك إسرائيل”.
في الحرب الحالية، عقب الصدمة من مذبحة 7 أكتوبر، نضج نزع الإنسانية المطلق عن الفلسطينيين وترجم إلى إبادة جماعية. العميد يهودا فاخ، قال في كانون الثاني 2024 بأنه لا أبرياء في غزة. ونشرت القناة 14 أن قائد دورية غولاني، قال لجنوده في نيسان 2025: “كل من تلتقون به عدو. إذا لاحظتم أي جسم فعليكم استخدام السلاح ومواصلة السير. لا التباس في هذا الموضوع”. الجنرال احتياط غيورا ايلاند دعا أكثر من مرة إلى تجويع سكان القطاع ومنع إدخال المساعدات الإنسانية. تراكم هذه الأقوال من قبل رجال عسكريين يشير إلى عملية أيديولوجية. قادة في الجيش يصورون الحرب كحرب إبادة، ويشرعنون خطوات متطرفة إلى درجة إطلاق دعوات للإبادة أو الطرد الجماعي.
عندما تنجح إسرائيل في فهم العلاقة بين مذبحة 7 أكتوبر والإبادة الجماعية التي تنفذها الآن في غزة، ستبدأ عملية التوبة.
وسوم: العدد 1127