نعم.. الموقف الأمريكي لم يتغير!!

فلنقطع على الأمريكيين

مشروع حشر الشعب السوري في مربع داعش

زهير سالم*

[email protected]

بالنسبة لمتابع جاد صادق مع نفسه ومع ثورة شعبه ، لم يكن جديد في (تصريح كيري) الأخير. لم يكن جديد في تصريح كيري بالنسبة لأهل الصدق مع النفس ومع الثورة ، وحزبهم الكبير في السوريين ومنهم . ولكن هذا التصريح كان مزلزلا لأقدام ومواقف كل الذين راهنوا طويلا على الموقف الأمريكي ، وتلطوا طويلا تحت الراية الأمريكية ، وحسبوا الأمريكيين أصدقاء ، وتأدبوا في حضرتهم وطالبوا غيرهم أن يكونوا أكثر أدبا ...

 لقد تحدث الوزير كيري في تصريحه الأخير عن اضطرار للتفاوض مع الأسد!! فهل كان سيعتذر لنفسه بالاضطرار الأخير لو كان يعبر عن استرسال في موقف قديم ممتد كما يحاول البعض أن يرقّع أو أن يخرّج أو أن يداهن أو أن يناور ...

بالنسبة إلى الصادقين مع أنفسهم ومع ثورتهم ومع شعبهم لم يكن جديد في موقف كيري ، ولا في الموقف الأمريكي الجديد... رغم أنه ظهر على حقيقته أشد وقاحة وأشد قباحة . لقد كان كيري أشد ما يكون وقاحة وقباحة وشؤما وهو يكشف حقيقة الموقف الأمريكي الاستراتيجي الأصيل المستقر ، المنحاز أبدا إلى مشروع إبادة السوريين ، المؤيد والداعم للقاتل المستبد حبيب الفناء عدو الحياة بالتواطؤ أو بالصمت ، وفي رفض نصرة المستضعفين الأبرياء من الرجال والنساء والولدان ، وأخيرا في الانخراط المباشر في مشروع تشويه هذه الثورة الجميلة ، وحرفها عن مسارها ، وحشرها في خانة المتطرفين الإرهابيين المصنوعين على عين ، المرصودين لقطع الطريق على ربيع الخير . .

 دوّمنا من قبل طويلا في دوامات الجدل مع أصحاب القراءات الحالمة أو المتوسلة للموقف الأمريكي ، الذين خرجوا علينا اليوم يكررون : إن الموقف الأمريكي لم يتغير ، وأن السيد جون كيري عنى ..وقصد ... وأراد ... سنمسك مع هؤلاء بحقيقة أن الموقف الأمريكي من الثورة السورية ( لم يتغير ..) ، بل سنؤكد معهم على هذه الحقيقة ، وليسمحوا لنا أن نستجلي معا حقيقة الموقف الأمريكي من الثورة السورية ، الموقف العملي أولا كتعبير عن وجه واقعي للسياسة الأمريكية القبيحة ، والموقف المعلن متكاملا غير منقوص والذي ظل السيد أوباما وكيري يتناوبان التعبير عنه ...

منذ بداية الثورة ، ومنذ أشهرها الأولى ، أيام كانت الثورة السورية سلمية بيضاء لا شية فيها ، عزلاء لا عصا ولا حجر فيها ؛ تجسد الموقف الأمريكي وعلى مدى أشهر ، ومن ورائه الموقف الدولي ؛ بمزدوجتين : الأولى تشجيع الشعب السوري على الاندفاع أكثر في طريق الثورة ، بمفهوم خلق بعض الإرباك للأسد الحليف الاستراتيجي المشاكس ، لامتلاك ورقة ضغط ضده . وبلغ هذا الموقف مداه بنزول السفير الأمريكي بنفسه إلى الميدان ليس ميدان دمشق فقط بل ميدان حماة في ساحة العاصي أيضا .. ليتوازى هذا الموقف المعلن الذي لم يكلف الأمريكي شيئا مع إغضاء متواطئ مجرم على كل الجرائم ضد الإنسانية التي بدأ بشار الأسد باستخدامها ضد الشعب السوري، وضد المتظاهرين السلميين ، ضد الطفل والمرأة والشيخ الكبير والشاب الأعزل بصدره العاري . كان الأمريكي كالمشجع على الشر يكتفي بالمكاء والتصدية ، بالتصفير والتصفيق فيطلق إدانات باهتة ، واحتجاجات صفراء واهنة ، ويستمتع بصور حمزة الخطيب وهاجر الشرعي وإبراهيم قاشوش ومئات بل آلاف صور الجريمة المروعة لا يحتملها ضمير إنسان ( سوي ) وأصر على وصف الإنسان السوي .

 وكان المجرم القاتل يستمتع بفرصته وبجريمته أيضا، ويمرر مخططه تحت مظلة التواطئ الدولي بدفع الشعب السوري إلى ساحة المواجهة العنيفة دفاعا عن عرض كان انتهاكه سلاحا أول ، وعن دماء تسفك بلا حساب ، وعن منازل تهدم بلا حسيب . ورفض المجتمع الدولي الذي يقوده الأمريكي أن يقوم بواجبه تجاه (حماية المدنيين) كما تنص عليه القوانين الدولية نفسها . فهل ما زال في المدافعين عن السياسات الأمريكية والمتلظين على العتبات الأمريكية لثما وتقبيلا من يجاحدنا في هذا ؟ هل في هؤلاء الذين أثخنوا في خذلان أهليهم وشعبهم وثورتهم وقد صادروا قرارهم بدبلوماسيتهم المفعمة بالتخاذل من يستطيع أن يرد هذه الحقائق عن الموقف الأمريكي الذي نقول إلى اليوم نحن أيضا بكل الجرأة إنه لم يتغير .

ثم وبعد أن زُج الشعب السوري والثورة في دوامة العنف ، اضطرارا لا اختيارا ، تجسد الموقف الأمريكي ونكرر الذي يقود الموقف الدولي في السكوت على جريمة تطوير بشار الأسد استخدامه لأدواته العسكرية، لينتقل من السلاح الخفيف إلى السلاح الثقيل، من البارودة والرشاش إلى حاملات الجنود والدبابات وراجمات الصواريخ ثم إلى المدفعية ، مدفعية الميدان ، والمدفعية الثقيلة والبعيدة المدى ..ضد أحياء سكنية تغص باللحم الحي من أجساد الرجال والنساء والأولاد والبنات ، وأغرى الصمت الأمريكي القائد للموقف الدولي ، المتواطئ مع الجريمة بشار الأسد أكثر فانتقل إلى الصواريخ البالستية بعيدة المدى وإلى الطيران المروحي ثم إلى الطيران الحربي بقذائفه الثقيلة وقنابله العنقودية والفراغية ثم ببراميله المتفجرة ليتوازى – مرة أخرى - مع الصمت الأمريكي الذي يعني الرضا والقبول إصرار أمريكي على رفض تقديم المساعدات الاستراتيجية التي تعين الشعب السوري على مواجهة شراسة الطاغية وإجرامه . لم ترفض الولايات المتحدة أن تمد السوريين بالمساعدات الاستراتيجية فقط ، بل تهددت كل من يفكر بمساعدتهم من دول الإقليم ، بكل ما تملك دولة عظمى مثل الولايات المتحدة من أوراق ...

 وبدأ بشار الأسد وحلفاؤه باستنبات قوى التطرف على ضفاف هذه الثورة الوطنية الوضيئة ، لتكون هذه القوى دريئة يتخفى وراءها أصحاب المقاصد المريبة . فأوغل الموقف الأمريكي مع المجرمين في الجريمة ، واتسعت ساحة اللعبة وامتدت من سورية إلى العراق ، في مساندة المشروع الطائفي على إتمام لعبته ، وإحكام دائرة شره ، ومساعدته في إنجاز مشروع حرب إقليمية مفتوحة خدمة لمشروع إيراني مذهبي شاهنشاهي يعوض الأمريكان ما عجزوا عن تحقيقه بمخالب المشروع الصهيوني .

وتجسد الموقف الأمريكي مرة ثالثة في إطلاق يد الولي الفقيه في الشام والعراق واليمن في ارتكاب الفظائع والجرائم . ولقد سمح الأمريكيون وهم يراقبون المشهد وعلى عين كما صرحوا مرارا وشركاؤهم بتحويل المعركة التي تدور في سورية بين ظالم مستبد وشعب متطلع للحرية والعدل إلى حرب مذهبية ، رخّص من خلالها الموقف الأمريكي لكل شيعة العالم أن يتوجهوا إلى سورية ويشاركوا في استباحة سكانها من غير مساءلة ولا محاسبة ولا تثريب محرضا في الوقت نفسه على استدعاء متطرفين مواجهين سيتم تصنيفهم كإرهابيين ، وإعلان الحرب على الثورة السورية بذريعتهم بوصفها حربا على الإرهاب. والتحالف مع كل الشياطين الحقيقيين لحرب المشيطنين المصنعين وهي النتيجة التي أفصح عنها كيري في تصريحه الأخير .

كان الموقف الأمريكي الصريح والواضح والصارم منذ الأيام الأولى ألا تنتصر الثورة السورية . واختبأ الأمريكي طويلا وراء عنوان ( الحل السياسي ) . وتناسى أوباما أن الشعب السوري لم يثر ضد حاكم مستبد هو بشار الأسد فقط ؛ الشعب السوري ثار ضد منظومة أو عصابة فساد واستبداد وجريمة تشهد كل تقارير المنظمات الدولية : الإنمائية منها والإنسانية والسياسية على تفسخها وانحلالها فأي سر إنساني أو سياسي أو مدني يدفع الرئيس أوباما أن يكرر على مدى أربع سنوات تمسك الإدارة الأمريكية بمثل هذه المنظومة من الإجرام والقذارة والانحطاط والتسفل الإنساني ..

أربع سنوات على الثورة السورية والموقف الأمريكي ، ومن ورائه الموقف الدولي يمنح بشار الأسد الفرصة المتطاولة لقتل السوريين وتهجيرهم وكسر إرادتهم ، حتى السلاح الكيماوي الذي أعلنه أوباما خطا أحمر عاد ليتسامح فيه في صيغة غاز الكلور الذي رخص الأمريكي المتحضر لبشار المجرم باستخدامه ...

لم يتغير الموقف الأمريكي ولن يتغير فعلى الذين ما زالوا يراهنون عليه أن يدركوا ذلك ..

الموقف الأمريكي ومن أمامه بشار الأسد وإيران وروسية ومن ورائه مجتمع دولي أشل يريدون أن يدفعوا الثورة السورية والشعب السوري إلى أحضان مشروع التطرف الداعشي لينتزعوا لأنفسهم أسباب براءة تاريخية يخفون وراءها اشتراكهم المجرم في إبادة شعب هو الشعب السوري وتدمير حضارة هي الحضارة السورية ومصادرة مشروع حضاري للعدل والنماء والبناء هو المشروع الوطني السوري الجميل ...

وعلى السوريين جميعا أن يتكاتفوا لقطع الطريق على المشروع الأمريكي الرجيم مشروع دفع السوريين إلى مربع اليأس مربع التطرف والتسفل والردة عن الحياة وعن العصر وأن يسطروا في سفر ثورتهم المبين أن الأمريكي بكل تلونه كان شريكا أولا ومباشرا في كل الجرائم التي نفذت على الشعب السوري ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية