بين العلمانية الشريفة والإسلام المعتدل

عثمان أيت مهدي

لن تقوم للعرب قائمة، ولن يعيشوا هدوءا ولا استقرارا، ولن تشرئب أعناقهم لمستقبل واعد بالخير والبركات في ظل دولة مدنية متطورة ما لم تتحد جهود العلمانيين الشرفاء والإسلاميين المعتدلين، يدا في يد من أجل إحباط مخططات العسكر الجاثم بقوته على رقاب الشعب، ومن يحوم حولهم من العلمانيين الزاحفين على بطونهم المتسترين تحت عباءة السلطة، يأكلون السحت ومن بقايا موائد أسيادهم، والعلمانيين المتوحشين الرافضين للآخر الجاهلين لتاريخ شعوبهم ومعتقداته الذين يسميهم محمد أركون بالعلمانوية Laicisme، وأشباه العلمانيين الذين يجهلون أنهم لا يفقهون شيئا من العلمانية، والإسلاميين المتطرفين الذين يوزعون صكوك الغفران للدخول إلى جنة النعيم، والزاحفين على بطونهم حبّا ورغبة في منصب أو شيء من عرض الدنيا يصيبونه، وأشباه الإسلاميين الذين لفظتهم المدرسة لجمود عقولهم وتكلس أفكارهم.

بين العلمانية الشريفة والإسلام المعتدل قواسم كثيرة مشتركة، إنهما أشبه بيدي الإنسان ورجليه وأذنيه وعينيه والقلب واللسان هما بمثابة الإسلام والعلمانية.

قد يتساءل القارئ الكريم عن العلمانية الشريفة فأقول العلمانية التي تؤمن بالطرف الآخر ولا تعادي الأديان، بل تمدّ يد العون والمساعدة لمن تفرزه الصناديق، وتعمل جاهدة من أجل تحقيق أهدافه لا خدمة للحزب الحاكم بل خدمة للوطن الذي يجمع بين جميع مكوناته.

وقد يتساءل عن الإسلام المعتدل، فأقول الإسلام الذي جاء للناس كافة الذي يمهل ولا يهمل، الذي منح حرية الاعتقاد والإيمان لمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. يعمل جاهدا من أجل مدّ العون والمساعدة لمن تفرزه الانتخابات، ويسهر على نجاحه لا خدمة للأشخاص ولا للأفكار بقدر ما تكون للوطن الذي يحوي الجميع.

دولة تعيش في ظل دستور مدني يضمن حقوق الأغلبية والأقلية على حد سواء، يحترم الأديان ويدافع عنها، يحرس على الأخلاق والحريات ويتشدد فيها.

إنّ الدول الإسلامية المتطورة هي الدول التي لا يشير دستورها صراحة أنّ الإسلام دين الدولة، ولكم في دستور تركيا، وكذلك أندونيسيا وماليزيا والباكستان خير دليل. 

إن العلمانية المتوحشة أو العلمانية المنبطحة للعسكر جسمان غريبان في جسد هذه الأمة التي ولّت وجهها للبيت العتيق بواد غير ذي زرع، وتبنت حضارته وحملت رسالته، منذ أربعة عشر قرنا، فكيف لها أن تعرض عنه أو تلقي به في البحر؟ وبأيّ منطق نعادي شخصا يقول ربي الله ثم استقام؟ وبأيّ حقّ ننزع من شخص إيمانه وتقواه؟

لماذا هذا العداء الذي ينم عن روح مريضة ونفس جائرة اتجاه كل ما هو ديني؟ أليس الإيمان فطرة فطر عليها هذه النفس الأمارة بالسوء؟ وهل يمكن العيش بعلمانية متوحشة في بلاد يؤمن غالبيته بالإسلام؟

ما يجري في البلاد العربية من صراع وانقسامات واقتتال سببه الأول هو البوليس ومن وراءه العلمانية المنبطحة من أجل أغراضها الدنيئة والعلمانية المتوحشة التي تريد القضاء دون رحمة ولا شفقة كل ما له صلة بالدين فكرة كانت أو أميا ملتحيا يلبس قميصا أبيض. هذا الحقد الدفين تحمله لنا الصور التي وصلتنا من اعتصام رابعة العدوية، جثث مفحمة لا لذنب اقترفته ولا لقانون داست عليه وإنما لحق ضاع منها أرادت استرداده. حسبنا الله ونعم الوكيل، اعتقدت أنّ الدمّ العربي أغلى من كلّ شيء وإذا به يسال كما تسال مياه الصرف الصحي، وما كان ليسيل لو كان التدخل لأشراف العلمانيين الذين يخافون الله ويحبون وطنهم.

أيها العلمانيون الشرفاء، أيها الإسلاميون المعتدلون لكم مستقبل العرب والمسلمين، بكم نرفع هاماتنا أمام الأمم، بكم نسعد ونرتقي، احذروا من هذه الأجسام الغريبة بجسد الأمة، إنها أورام يجب اجتثاثها قبل أن تصيب الجسد بأكمله ثمّ لا علاج إلا الموت والضياع.