تمرد غزة، نمطية التقليد واستحالة التطبيق

م. محمد يوسف حسنة

مع بداية الأحداث التي تعصف بمصر ومستقبل الأمة، وتأهب كل طرف لحشد كافة إمكاناته لحسم الأحداث لصالحه كون ما يجري بمصر ليس شأناً مصرياً خالصاً بقدر ما هو حدثاً مصيريا يحدد طبيعة وشكل المنطقة السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تنادَى بعض الشباب في غزة وبناء على تبعيته الحزبية لإطلاق حملة “تمرد على الظلم في غزة” كما سموها، في محاولة لتقليد الحملة التي أطلقها بعض النشطاء الشباب المصريين وأفضت لأحداث  30 يوينو وتدخل الجيش المصري في المشهد السياسي وإزاحة أول رئيس مصري مدني منتخب ديمقراطياً.

التقليد الأعمى ولربما التبعية الحزبية والظن بأن الظروف باتت مهيئة لإسقاط الأحداث المصرية على غزة هى ما تشجع وتدفع هؤلاء الشباب لإطلاق هذه الدعوة، ويعتقد القائمون عليها بأنهم قادرون على حشد مناصريهم للنزول إلى الشارع ومن ثم إحداث صدام دموي مع عناصر وقوات الأمن التابعة للحكومة في غزة مما قد يستدعي تدخلاً خارجياً لوقف حالة التدهور الحاصل وسيل الدماء، تقليدية السيناريو والمعرفة المُسبقة به تجعل الفشل عنوان هذا التحرك إذ أن أهالي قطاع غزة ورغم التضييق والحصار وضنك العيش لم يصلوا لمرحلة الانقلاب على السلطة الحاكمة أو مساندة تحرك خارجي أو التساوق مع مشروع فصائلي آخر لإزاحة أحد الأطراف الفلسطينية عن المشهد، ثم أن السلطة الحاكمة في غزة تبسط سيطرتها ليس من خلال أجهزتها الأمنية فقط بل بوجود إجماع شعبي وفصائلي على المقاومة وضرورة الحفاظ على سلاحها وانتشار النهج المقاوم وسط العديد من أهالي وأبناء قطاع غزة، موازين القوى مختلفة تماماً ولا نعتقد بصوابية التحرك أو إمكانيته على الأرض.

ثم أن تعداد الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي الداعية للتمرد في غزة فاق العشر صفحات وهو ما يدلل على عدم وجود مرجعية موحدة وتشتت الجهد والتقاسم على الدور والبطولة قد سبق أي إنجاز، وكلاً منهم يدعو للتمرد بطريقته الخاصة فهذا يدعو للتمرد على حكم غزة وذاك يدعو للتمرد على إنهاء الانقسام وآخر يدعو للتمرد على اتفاقية أوسلو والمفاوضات إلا أن جلها يعتمد على تحريك الشارع وإحداث صدام مع السلطة القائمة.

من متابعاتي لما يٌنشر على الصفحات أعتقد أن أكثر الصفحات خطورة تلك التي تدّعي أنها لا تقف مع أي من الأطراف وتحاول الحشد باللغة الوحدوية وتستهدف ‏الشباب غير المؤطر تنبع خطورتها من وجود رجالات مؤسسات مجتمع مدني خلفها يُديرون التحرك تحت غطاء مؤسسي ويحاولون استقطاب شخصيات ذات تأثير مجتمعي ولها شعبية وقد يكون الأسرىالمحررين هم الأكثر شريحة عرضة للاستقطاب كونهم يحظون بإجماع شعبي ولا تستطيع السلطة الحاكمة التعامل معهم وفق منظور أمني أو التعرض لهم.

مضخة الأموال والتحضير لشئ يلوح في الأفق وإن لم يكن ظاهراً إلا أنه معلوماً بالضرورة، هنالك من استفاد من درس التحرك في 15 آذار ويرغب بتكرار المشهد بحرفية أكبر وإدارة من خلف الكواليس بمهارة شديدة، ووضع سيناريوهات لتحركات متعددة”

 

يأتي ذلك كله مع تواتر تصريحات بأن السلطة الفلسطينية تنتوي إعلان قطاع غزة إقليماً متمرداً وهذا خيار كان يُدرس منذ أحداث يونيو حزيران من العام 2007، والذي يعني وقف التزام السلطة الوطنية الفلسطينية تجاه قطاع غزة من حيث مستحقات شركة الكهرباء والأدوية والمستهلكات للمستشفيات أو حتى دفع رواتب الموظفين المفرزين على كادر السلطة الوطنية والذين يتقاضون رواتبهم من رام الله.

ما يعني كاتب هذه الكلمات مخاطبة جيل لم يكن بعد يدرك ماذا حدث في عام 2007 وقبله وتداعيات ما بعده، فلن تقنع كلماتي دعاة التمرد بوقف حملتهم فهذه ضمن أولويات أجندتهم  حيث أنهم مجرد أدوات منفذة لا صناع قرار، ولن تقنع كلماتي من يتم الدعوة للتمرد عليهم فهم يركنون لقوتهم وأنها فرصة لتنفيس الاحتقان والغضب في أجساد المتمردين الذي يدلل على غياب واضح لقيمة الانسان وسيطرة فكرة الحزب والانتصار له.

 هذا الجيل كان بين العاشرة والرابعة عشر حين وقعت أحداث يونيو حزيران من العام 2007 هو المستهدف من دعوة التمرد يُريدون أن يلقوا به لأتون مواجهة لا قبل له بها، وفي مواجهة أناس يتم تحميلهم المسؤولية دون غيرهم مع أننا كلنا شاركنا بخطيئة الانقسام وجريمة قتل الإنسان بصورة أو بأخرى.

هذا الجيل الفتي اليوم يُراد به أن يكون وقود معركة ليست معركته يُريدون له أن يتبنى تحميل مسؤولية الإحباط والخذلان وضياع مستقبل القضية والهوية لطرف دون آخر، يُريدون استغلال الطموح والعجز عن مطاردة الأمل لصنع الألم وجر المنطقة لصراع من أجل أجندات خاصة، وحسابات تنظيمية ترى أنه آن أوان تصفية الخصومة السياسية وإن كانت على حساب الأبرياء وإن كانت على حساب زج أصحاب النوايا السليمة في معركة أصحاب النوايا السيئة.

أتمنى مخلصاً من الشباب الواعد الحر أن يتنبه جيداً للمخطط الذي يُرسم بدقة وعناية، معركتنا معركة بناء وتنمية معركة قيم ومبادئ ليست معركة تصفية حسابات وخصومات سياسية، كما أنتم خارج أي إطار تنظيمي وحزبي أدعوكم للبقاء في مربعات النقد البناء وتحمل مسؤولياتكم وإن عجز الوطن حالياً عن القيام بواجباته اتجاهكم.

وأتمنى من السلطة الحاكمة في غزة أن لا تضع الشباب في سلة واحدة وأن يكون الاهتمام بهم واقعاً وإن كانت الإمكانات قليلة والموارد ضئيلة، ولا يجب أن يتم التعامل مع الشباب وفق المنظور الأمني البحث والمعطيات الإقليمية فهنالك منهم من يحرص على الوطن كحرصكم عليه، كيف لا وهم أساس وعماد مستقبله وقادته.

اقتربوا من الشباب واستمعوا لهمومهم أحلامهم شجونهم وآمالهم، قد لا يكون مطلوباً منكم تحقيق كل الأحلام ولكن على الأقل واجب ولزام عليكم الاستماع لهم، وعرض وجهة نظركم والمعيقات التي تعترضكم عليهم فقد يكونون سبباً في حل أزمة وتجاوز مؤامرة.

هذا الشباب لا يملك حقداً ولا ضغينة لحماس كتنظيم أو كحزب حاكم، إلا أن الفجوة موجودة وقائمة والثقة متزعزعة، لا يجبرها قوة التنظيم العسكرية ولا قوة الحكومة الأمنية ما يصلحها ويردم الهوة والفجوة هو الاحتواء، وأقصد به احتواء الأب لابنه لا احتواء المصالح.

أنا على ثقة أن هذا الشباب الواعد الحر الذي ما انفك بمفاجأة العالم بمبادراته وقدرته على الإنجاز رغم المعيقات لن يكون شريكاً في فتنة داخلية جديدة ولن يكون شريكاً إلا في البناء والتنمية ودعم الاستقرار، إلا أن القائم على الحكم مطالب بتمكين الشباب فعلاً واقعاً بالسماح لهم أن يكونوا صناع قرار وإشراكهم في التخطيط والاختيار.