آذنتكم على سواء

في تقدير الموقف

بين التماهي مع مشروع الثورة

والاستسلام للأجندات الفرعية المتغولة عليها ...

زهير سالم*

[email protected]

يبدو أن على العاقل أن يلتقط نفسا عميقا . ويعيد ترتيب المعطيات العملية التي بين يديه ..

لقد فرح السوريون بانطلاقة ثورتهم العفوية المتطلعة إلى آمالهم بتحقيق الغد الأفضل تظلله العدل والحرية والمساواة والإخاء كما فرح زكريا المرزوق بيحيى بعد أن بلغ من الكبر عتيا ..

منذ الأيام الأولى قرر السواد العام من السوريين أن يجندوا كل ما يملكون من جهود وطاقات فردية أو جماعية في خدمة مشروع الثورة ، ودعمها ، والدفاع عن كل ما يصدر عن شيبها وشبابها . كان التغاضي عن كل ما يمكن التغاضي عنه نهجا وسياسة ينطلق من حقيقة أن الطريق الصعب الطويل لا بد فيه من العثرات ..

كان الكل يردد أنه ما دمنا نتقدم إلى ساحة الاختيار الوطني الحر المتكافئ فليس هناك ما يجوز أن يخاف أحدنا منه . بل كنا من الذين ينكرون على المتخوفين تخوفاتهم إذ كيف يخاف المرء من شباب وطنه الثائر للحق المتطلع للعدل والحرية ؟!

لم تنجح الجهود الكبيرة التي بذلها بشار الأسد والمجرمون من أشياعه لتشويه جمال الثورة أو صورة شبابها . ولكنه مع الأسف لقد نجح في تحويل حراك الثوار السلمي إلى حركة مقاومة اضطرارية أولا ثم إلى شكل من أشكال الصراع العسكري ثانيا . ومع إدراك العقلاء قبل الانخراط في مشروع العسكرة بأبعاده إلا أنهم اضطروا إلى مجاراته كمركب اضطرار لم يترك بشار الأسد للسوريين دونه خيارا .

فالقتل اليومي الممنهج ، والمذابح البشعة ، والانتهاك الذي تجاوز كل حد وسط إغضاء كل الأطراف الدولة والإقليمية ألجم ألسن العقلاء عن انتقاد ميل الأحرار إلى الدفاع عن أنفسهم وأهليهم وأعراضهم . وما زال الموقف هو هو بالتسليم بحق الناس في الدفاع عن خصوصيتهم ؛ ولكن من حقنا في هذا المقام أن نؤكد أن المسئول الأول عن عسكرة الثورة السورية هو سياسات الإجرام من جهة وصمت المجتمع الدولي عنها من جهة أخرى .

بانتقال الصراع إلى صراع مسلح استطاع بشار الأسد أن يصارع على الحلبة الأقوى ولو ماديا ..

والأخطر من ذلك أن الصراع منذ تلك الساعة لم يعد مرهونا بإرادة الثوار وحدهم . بل أصبحت بموجبه الدول الداعمة والمانحة شريكة في هذا القرار ، تعطي إذا رضيت وتمنع إذا سخطت . وبالتالي فقد دخل على معادلة الثورة  والثوار ما هو جدير بأن يبعث في قلوب السوريين الخوف والتخوف . وكانت هذه هي  المحطة الأولى التي تدفعنا للتفكير كيف وإلى أين ؟!

ثم كان مع امتداد أمد الثورة وتراخي الزمن فيها أن نبتت على جنبات مشروعها الوطني العذب الرقراق مشروعات لأجندات غريبة استطاع أصحابها أن يثبّتوا على الأرض السورية قدما وبالتالي أن يفرضوا على مسارها بعض بنيّات الطريق .

أجندات تهدد مشروع الثورة في أهدافه وفي آلياته . أجندات تهدد سورية في جغرافيتها وأخرى في ديمغرافيتها أو في إنسانها وآليات تعمم القتل وتنشر الموت وتعد بسوء العاقبة ..

ويوما بعد يوم وبينما يشتد أسر النبت الغريب والمشروع المريب والأجندة المنكرة تذهب قيادات المعارضة نحو المزيد من التفشي والترهل والتخاذل والضعف ..

يدرك أبناء شعبنا أن أسوء السوء بالنسبة إليهم إنما هو في بقاء بشار الأسد أو أي بقيّة من بقايا خلاياه السرطانية الخبيثة وهذا لا يختلف عليه عاقلان .  أمام هذه الحقيقة هناك استحقاقات كثيرة تفرض نفسها على العقلاء ليجيبوا وبعد كل هذه التضحيات المضئية الجسام أين يمكن أن يكون المصير ؟!

ليس اتهاما لأحد ولكن الحقيقة تفرض علينا أن نقول ان الكثيرين ممن أمسكوا بقرار المعارضة وبالتالي ببعض قرار الثورة والثورة لا يهمهم من أمر بعيرها : إلا أذنه !! وحين يجد ( يحيى ) لنفسه عذرا في النوم في أحضان هؤلاء ، أو مندوحة عن أن يأخذ الكتاب بقوة ، وحين يفرح بمقعده بينهم يبادلهم ويبادلونه ويجاملهم ويجاملونه وينام في أحلامهم ويمكرون به ؛ فحق على كل من يخاف على أهله ووطنه أن يعلنها صريحة : آذنتكم على سواء ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية