الهروب إلى معارك الغد ..

موقفنا

الهروب إلى معارك الغد ..

زهير سالم*

[email protected]

العاجزون عن إدارة معركة اليوم وخوض غمراتها يهربون من استحقاقاتها  إلى معركة الغد . وهؤلاء المتهربون من استحقاقات معركة اليوم ليسوا فريقا واحدا بل هم فرقاء ومتشاكسون ...

العدو في معركة اليوم قاس وشرس ومتمترس ومدعوم من روسية وإيران وأطراف كثيرة أخرى . والمعركة معه مكلفة وتضحياتها جسام . ولذلك يتهرب الكثير من القوى السياسية من معركة اليوم واستحقاقاتها الصعبة والمكلفة إلى معركة الغد الآملة والحالمة .

ترى فريقا أو فرقاء من المعارضة السياسية يتركون معركة اليوم بكل استحقاقاتها الضرورية والمكلفة ويتوهون بك في ضباب حلم الغد الوردي الذي يداعب ويدغدغ : مشروعات العدالة الانتقالية – ودورات إدارة الوزارة والسفارة – وقواعد البرتوكول الدبلوماسي  . أموال كثيرة بددت ، أوقات طويلة أهدرت، جهود كبيرة تشاغل أصحابها بها عن معركة الدم النازف ، والرضيع الذبيح ، والعرض المنتهك ؛ وكل إنسان حين تسأله يدلي بمعاذير كثيرة  بها ويعلل ويفسر .

وفريق آخر إذ يتهيب معركة اليوم مع بشار ، ويجد نفسه بلا قوس فيها ولا وتر ، يستشعر الخوف من نصر قد يدركه المحاربون الأشداء في الغد فيبادر إلى إعلان الحرب عليهم أو على عناوينهم ليقطع الطريق عليهم قبل أن ينتصروا . ويسوغون لأنفسهم أنهم يريدون أن يضمنوا مكانا لهم في سورية الغد ، الذي يخافون منه وعليه فما أكثر ما ترى السهام ترمى بالباطل أو بالحق تجاه عقائد وأفكار وجماعات وقوى وأحزاب ..

ما أكثر ما نتابع الاتهامات والافتراءت والفبركات بحيث تظن أن القوى السياسية في سورية وهي تحارب بشار الأسد تعيش معركة مصر وترمي كما تحالف صباحي والبرادعي وعمرو موسى مدعومين بمن يدعم أولئك على شعب سورية وثواره وثورته ....

سورية ليست ليبية ، وسورية ليست مصر ، وليست تونس لا أحد منا يجادل في ذلك ولكن سورية وشعبها تتطلع إلى العدل والحرية والسواء الوطني . ولن يقبل السوريون بعد اليوم بغير السواء الوطني وسيصر السوريون على إسقاط ما تبقى من قوانين الامتيازات ..

والمطالبة بالسواء الوطني ليس انحيازا لأحد ورفض ترسبات قانون الامتيازات العثماني ليس موجها ضد أحد  . بل ذلك هو أساس المجتمع المدني الموحد الذي يتغنى به الجميع .

إن إشغال اليوم  بمعركة الغد  هو استباق لمعركة لن تقع أبدا إذا ما ظلت أطراف القوى السياسية تعمه في غيها . لأن الذي سينتصر نتيجة هذه السياسات الخرقاء هو العدو الذي سام السوريين جميعا على مدى أربعين عاما سوء العذاب . الطاغية وحده هو الذي سينتصر إذا أصررتم على التشاغل عنه ، أو التهرب من منازلته . وهو الذي سيعيد أعداءه إلى قعر الزجاجة ليلطموا الخدود ويشقوا الجيوب ويندبوا كالأرامل البائسات في شتاء الانتظار الطويل

العاقل من يشتغل على واجب وقته : يومه وساعته ولحظته قد تكون معركة اليوم صعبة ولكنها مثمرة منجبة ( إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ) ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية