من أين نبدأ؟..

عقاب يحيى

يتكلم السوريون كثيراً هذه الأيام عن الأوضاع المأزومة والمخارج . السياسيون بكل أصنافهم يشاركون، ومعهم لفيف واسع من المهتمين، والثوريين، والعاديين.. وكلّ يريد أن يدلو بدلوه، وأن يسجّل شيئاً يعتبره خاصاً، وربما إنجازه المميّز، والفريد ..

عند الحوصلة، والغربلة.. نجد أن كثير الأفكار تتقاطع.. في الجوهر، وقد تختلف في الآليات .. والمبنى، والجهة التي يراد توجيه الكلام إليها، أو تخصيصها بأنها بيت الداء، او الإشارة إلى ملامح.. أخرى تلوح في الأفق مثل غيوم شباط.. وأهلنا يقولون مثلهم الشهير : " شباط ليس على كلامه رباط"، أي أنه غير مستقر، وغير ثابت، وأن كثير التموّجات عابرة.. وربما تأتي بزخّات قوية من المطر ثم تظهر شمس لا علاقة لها بالذي كان قبل لحظات ...

حين يجيء ذكر الإئتلاف .. مثلاً.. نرى مجموعة من الآراء متداخلة، أو متنازعة.. تتوزّع بين الأفكار التالية :

ـ الإئتلاف قام ونشأ مريضاً ومعاقاً، ثم أصيب بميكروب، أو جرثمة لا علاج لها.. لذلك يجب تشطيبه وتجاوزه.. وهنا ترى من يطرح بدائلاً يظن أنها جاهزة، او ممكنة، وهناك من يلح على عقل كيدي.. من منطلق" الله لا يرحمه".. وهناك من يرى، وردّاً على مواقف الدول" الصديقة" إعلان حلّ الإئتلاف وجميع المؤسسات والهيئات القائمة.. لتحميلهم.. هؤلاء مسؤولية النتائج.. وكأنهم لا ينامون الليل، ولا يقعدون النهار تأثراً بالحالة السورية وما وصلت إليه..

ـ هناك من يفصص أمراض، وأوجاع، وأوضاع الإئتلاف .. ويعتبره جسماً مريضاً .. لكن يجب علاجه.. فيطرح عديد الأفكار.. من التجديد إلى حقنه بدماء جديدة، إلى " رمي" عديد الأعضاء فيه.. إلى توسيعه....وتخصيصه كهيئة تشريعية وفقط..

ـ وهناك من يعتبر أن الإئتلاف ب"عجره وبجره" منجز مهم.. له امتدادات كبيرة على الأرض، وعلاقة متشعبة بكافة الشؤون السورية.. فعدا عن " الاعتراف الدولي" وتلك المشروعية التي نالها من عدد كبير من الدول، وعن كونه أكبر مروحة، أو خيمة للمعارضة.. ما يرتبط بمجموعة واسعة من الامتدادات والمشاريع، والعلاقات على كل صعيد.. وأن علاج أوضاعه ممكن وضرورة.. ويجب التعاون في ذلك من جميع المعنيين بالشأن السوري....

ـ وهناك من يرى أن توافقاً سورياً واسعاً، وعقد ما يشبه المؤتمر الوطني لقوى المعارضة والثورة يمكن أن يسفر عن توليد جسم بديل أكثر تمثيلاً، وقدرة على الفعل ..

ـ وهناك من يرى أن العلة بنيوية في المعارضة جميعها، وفي القوى المحسوبة على الثورة، وان ما يعاني منه الإئتلاف من أمراض لن ينأى عنها أي تشكيل جديد فيما يمكن اعتباره ظاهرة سورية بامتياز.. حين انفجر خزين العقود المديدة، والشمبعة بالسوري.. فتشظّى كل شيء، وتناثر، وبرز السلبي طرداً مع تعقّد لوحة الوضع السوري، وما دخل عليه من مفاعلات قوية خارجية أفقدت السوريين قرارهم الوطني وحوّلت بلادهم إلى شأن مدوّل.. لا فكاك منه، ولا حلّ له إلا عبر تدخل دولي فارض .

ـ وهناك.. وهناك كثير من فيض السوري.. المصاب بالإحباط، أو الغيري، او الذي لا يعجبه العجب.. فتنهال الانتقادات والشتائم، وقد يجري التضخيم والافتعال، وحتى الاختلاق لمنح مبررات لحالة تتورّم، وتنتشر.. كما أن مناخات وتأثيرات النظام في بعض الأجواء ليست خلبية، ولا من صنع الخيال..

                                                       ******

ـ ولو استفتينا أغلبية السوريين العاملين في الحقل السياسي.. والذين يتعاملون يقدر من الموضوعية، والمسؤولية,..لاتفق كثيرهم على أهمية الحفاظ على الإئتلاف لكن بشروط مثقلة، منها، على سبيل المثال :

1 ـ اعتماد النقد الصريح والمكاشفة نهجاً شاملاً لتسليط الأضواء على السلبيات والأخطاء والتجاوزات.. وحتى الفاحش من الممارسات، واستخدام المحاسبة، والشفافية، والعلنية مبادئ في التقويم، والتعاطي .

2 ـ تنقية الإئتلاف من كل ما لحق به.. إن كان على صعيد العدد، او التجديد، أو المحاسبة...

3 ـ المأسسة والتفعيل واختيار الكفاءات السياسية، والتخصصية في مواقعها الصحيحة، ونسف مبادئ المخاصصة، والتكتلات، وإدانة استخدام المال السياسي، والغش، والتدليس، وتفعيل عمل اللجان المختصة..

4 ـ تقوية الحكومة المؤقتة لتقوم بالمهام الطبيعية الواردة في برنامجها، ورفض التدخل اليومي في شؤونها، او فرض المحسوبية والحزبوية عليها..واعتماد الكفاءة، والحاجة ميزاناً ومعياراً.

5 ـ السعي بكل الوسائل لبناء نواة الجيش الحر المنضبط، والمهني، والعمل على توحيد القوى العسكرية ضمن مبادئ الثورة، وبالالتزام بأهدافها وهيئاتها، ومحاربة التطرف، والتجارة، والانتهازية، ونهب المال العام .

6 ـ الارتباط الوثيق بالأرض ضمن جملة من المهام البرنامجية، والعلاقات الواقعية، والرؤى الصحيحة.

                                                      ********

لنقل أن روح التوافق، والشعور بالخطر المحيق بالوطن، وأهمية أن تكون للسوريين مبادراتهم الخاصة بهم، والقدرة على إدارة شؤونهم وتقرير مصيرهم.. ظاهرة عامة تنمو، وتجد عديد مرتسماتها في اجواء إيجابية لدى الكثير من القوى والفعاليات باتجاه التوافق على المشتركات، والعمل المشترك لإيجاد القواسم الموحدة والالتفاف حولها، والانطلاق منها نحو التآلف، وعقد مؤتمر وطني جامع.

من هنا تكون أهمية توسيع دائرة الحوارات السياسية، ورفع مستواها، وخروجها من دائرة القوى التقليدية إلى عموم الأطياف السياسية، والفكرية وفعاليات الثورة والمجتمع المدني والأهلي.. وربما سيكون ضرورياً تشكيل لجنة مختصة، وصاحبة خبرة للقيام بعمليات تقويم واقعي لجميع القوى والتشكيلات القائمة : القديمة منها والجديدة لبناء علاقات سياسية وتحالفية معها، ودعوتها إلى الإسهام في مؤتمر وطني جامع.

ـ لقد قدّم رئيس الإئتلاف : الدكتور خالد خوجا برنامجاً يمكن اعتباره شاملاًن والتقى، قبل تدشينه في الهيئة العامة، مع عدد من أصحاب الخبرة في الإئتلاف لمناقشتهم فيه ومعرفة رأيهم.. وهذا أمر إيجابي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه : من أين تكون البداية ؟؟...وكيف يمكن بلورة الأفكار وتحويلها إلى قرارات وواقع؟..

ـ كما أنجز الإئتلاف خطوة مهمة مع هيئة التنسيق عبر تفاهم على وثيقة سياسية يمكن أن تشكل أرضية عامة للتوافق، واستكمالاً لوثيقة العهد التي أقرها مؤتمر المعارضة في القاهرة، ومواصلة الحوار واللقاء مع جميع القوى السياسية والفعاليات الثورية والمدنية باتجاه حشد الجهود وتناسقها، والاتفاق على موعد لعقد المؤتمر الوطني الجامع الذي يجب عليه وضع خارطة طريق .. وآليات للعمل، ومروحة أسليب للعمل السياسي على طريق إنهاء نظام الفئوية والاستبداد، والشروع الجدي في بناء النظام التعددي الديمقراطي..

ـ الإئتلاف مرض : نعم.. ومعظم أطراف المعارضة شبيهة به.. أيضاً، وأيضاً.. والوضع السوري برمته يعاني.. حصائل مسار الأربع سنوات.. بكل الأخطاء والمسؤوليات الذاتية، وخيبات الأمل.. ومواقف المجتمع الدولي، وتعقّد لوحة الواقع.. وما تتعرّض له البلاد من غزو خارجي، وسيطرة التطرف..وغياب القرار الوطني..

ـ لكن.. لن يملك السوريون غير الاعتماد على قواهم الذاتية : منطلقاً، وأساساً، وبرنامجاً.. عبر تجميع قواهم، والارتقاء إلى مستوى التحديات في ترجمات برنامجية.. تتجاوز عقل الاحتراب والانتصار العبثي، والاستحواز.. إلى فضاء الوطن الرحب، وأهداف الثورة النبيلة، وتضحيات شعبنا الغالية.. والعالية جداً..