الحلول السياسية وأعمدتها

الحلول السياسية وأعمدتها

عقاب يحيى

البعض يريد إلغاء الثورة المسلحة والقفز فوقها للوصول إلى "الحلول السياسية" حيث يراها خطفاً للثورة، وحرفا لها، وعامل عَسكرة تحمل مخاطر كبيرة قادمة.. فيغمض عينيه عن المسار والدوافع، وعما حققته على الأرض ـ في الحصيلة ـ وبغض النظر هنا عن كل ما يقال عن السلبيات : الموجودة والمضخّمة والمفتعلة...

ـ العمل المسلح لم يكن خياراً عادياً للثورة بل نتاجاً إجباريا لمستوى العنف المنهّج الذي مارسته الطغمة لاغتيال الثورة بأفظع وسائل القتل والاغتيال والتصفيات ..وحرصت أشهراً على التزاوج بينه وبين النضال السلمي الذي ما يزال ـ رغم تراجع مساحته ـ جزءاً من مكونات الثورة .

ـ ظاهرة انشقاق العسكريين كانت معطى إيجابياً، وتعبيراً عن أصالة الوطنية السورية وانتماء هؤلاء لشعبهم .. والذين لم ينشقوا ليقعدوا في بيوتهم، أو في مخيمات اللجوء، بل لممارسة واجبهم، وواجبهم يتلخص في حمل السلاح والدفاع عن الثورة والثوار والمتظاهرين، وهو ما كان سمة الثورة لأشهر طوال بعد عمليات الانتقال للسلاح .

ـ إن إصرار الطغمة على نهج القتل ـ بكل توصيفاته وفنونه المنظمة ـ وصولاً لإعلان الحرب الشاملة على الثورة والمدن والمناطق والأرياف وبشكل جنوني بطريقة الأرض والبلاد المحروقة، والدفع بوتيرة التصعيد الطائفي حدود الحرب الأهلية.. التي تجنبت الثورة ـ بشكل رئيس ـ الوقوع في أفخاخها، والتمسك بثوابت الثورة، والوحدة الوطنية ، ووعي مخاطر الانزياح عنهما، وآثار ذلك على فحوى الثورة ومصيرها وصيرورتها .هذا النهج المتصاعد الذي لا يقيم اعتباراً لأي شيء يخصّ حياة المواطنين، والبنية التحتية للدولة ومؤسساتها، ولأملاك المواطنين، وأمنهم.. دفعت بوتيرة العمل المسلح طريقاً إجباريا لتكوين ميزان قوى رادع للطغمة القاتلة، والذي ألحق بها العديد من الهزائم، ومنعها من تحقيق نصرها على الشعب ـ الثورة، بل ومن تحرير مناطق واسعة لم تعد لها سيطرة عليها إلا بالقصف عبر الصواريخ بعيدة المدى والطيران، وعبر فيض الحقد الذي لن ينتهي إلا بنهايتها تماماً، واشتلاع جذورها من بلادنا الحبيبة .

ـ الحلول السياسية لم تكن مغلقة عند الثورة والثوار والمعارضة . لكن السؤال الذي ظل يطرح نفسه بقوة : اي حلول سياسية يمكن التعاطي معها ولو بالحد الأدنى ؟.. وأية حدود يمكن أن تقبل بها الطغمة أو تجبر عليها داخلياً، أو من خلال تراكب الداخلي بالخارجي ؟؟...وهل يمكن لثائر ان يقبل باستمرار الطفمة، أو بإعادة إنتاجها بطريقة ملتوية وكأنه لا رحنا ولا جينا، ولا تضحيات وثورة.. وانتقال لنظام ديمقراطي حقيقي غير ملوث بالاستبداد وآثاره ؟..

ـ حتى الحلول السياسية الرائجة سوقها هذه الأيام، بمفرداتها المتقلبة ومساوماتها، وقابليات التفاوض المحتملة في مضامينها.. ما كان لها أن تكون، وأن تحرك الوضع الدولي، وتطأطئ رأس الطغمة المجرمة فتدعوها ولو للقبول الشكلي بها لولا عظمة الثورة ومنجزاتها، على العموم، وما حققه الجيش الحر على الأرض بوجه الخصوص ..

ـ الحلول السياسية يجب أن تبقى مطروحة في جميع الأوضاع والحالات، فهي موجّهة بالأساس إلى الثوار لوحدة الموقف والعمل بوحي بوصلة المحسوبين واضحة، وموجهة ثانياً لشعبنا بجميع فئاته، خاصة تلك " الكتلة الصامتة"، والمتخوفة، بل وإلى المحسوبين على النظام، وبشكل رئيس ومدروس، كي يعلموا أن الثورة لا تستهدفهم، وأنها مفتوحة الصدر لهم باعتبارها ثورة الحرية والكرامة لشعب وبلد يحفر طريق الحرية بالتضحية والتصميم والشهادة، وأن الدولة المدنية الديمقراطية هي في ألف بائها دولة العدل والمساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن تكوينهم الديني والمذهبي والأقوامي والسياسي، وعن جنسهم، وأنها موجهة ثالثاً للمجتمع الدولي الذي ما زال يراوح في شواطئ الحلول السياسية دون تقدم ملموس، ووفق العديد من الضغوط والمساومات، باتجاه توضيح موقف الإئتلاف الواضح منها، والعمل الحثيث، والمتعدد الوجوه كي يكون المجتمع الدولي عوناً لنا، يستجيب لشروط حدودنا الدنيا التي لا يمكن لأي قوة معارضة التنازل عنها : تنحية رأس النظام وكبار رموزه، وإخراجهما من أية تسوية سياسية، وهذا ممكن الحصول إذا ما أحسنا العمل، وتقدمنا على الأرض، وقمنا بمسؤولياتنا في المناطق المحررة، ومستلزمات تعديل ميزان القوى لصالح الثورة، وموجهة رابعاً لأهل النظام، وأهل النظام ليسوا قصراً على تلك الطغمة ـ العصابة الطائفية المجرمة. إنهم فئات وشرائح وأصناف متعددة بمن فيهم عشرات آلاف البعثيين والعسكريين والعناصر الأمنية العادية، والموظفين، وقطاعات شعبية ما زالت تابعة للطغمة..وباتجاه أن يقوم " اصحاب القرار" في النظام بواجبهم في مساعدة الثورة بما يستوجب لتنحية تلك الطغمة القاتلة وإفساح المجال لتسوية حقيقية تفتح الطريق المباشر لنهاية نظام الاستبداد نهائياً، والبدء بالتأسيس الجدي للنظام الديمقراطي بمفرداته ومستلزماته المعروفة، والمحددة في وثائق الإئتلاف وغيره من قوى الثورة والمعارضة .

ـ الحلول السياسية لا تسبح في الهواء، ولا تنفصل عن تقوية العامل الذاتي، وفي المقدمة منه : دعم الجيش الحر بكل الأسلحة المتطورة، والعمل الحثيث على توحيده، وانضواء الكتائب المسلحة فيه، وضمن القيادة السياسية، إلى جانب إنجاز عديد الأمور في المناطق المحررة، وفي تلبية متطلبات شعبنا المنكوب.. وهي كثيرة ومبرمجة، وتنتظر الإمكانات والتجسيد . عند ذاك تكون الحلول السياسية نتاجاً، وليس مقدمة، وعندها يمكن للشروط المتفق عليها أن تنغرس وتنتصر ..