المأزق السلطوي والترياق الحمساوي

المأزق السلطوي والترياق الحمساوي

قراءة في سلبيات المصالحة


د. رمضان عمر

[email protected]

رئيس رابطة أدباء بيت المقدس / فلسطين

تعيش سلطة ( اوسلو) لحظات الافلاس والتأزم،وتجد نفسها مرغمة على قبول شروط قاسية ، وسير خطوات عديدة مناقضة لنهجها، لم تحسب لها حساب، ولن تكون نتائج أي منها إلا الانهيار والتلاشي ؛فقد توقفت عجلة التفاوض التي كانت تمد هذا الجسد المريض بترياق الديمومة الناقصة، من خلال برنامج ( سمي سياسيا)، وهو لم يعرف سوى النشاط الأمني المشترك.

والحديث عن سلطة وطنية ممثلة للشعب الفلسطيني، وصاحبة قرارات حاسمة، حديث يقع خارج التغطية الواقعية للمشهد الفلسطيني، فقد أثبتت الايام أن هذه السلطة عاجزة ماديا ومعنويا، ولا تمثل على أرض الواقع شيئا من طموحات شعب محتل، يسعى لكنس الاحتلال واسترجاع حقه المسلوب.

فقد ضاعت ورقة الجغرافية الفلسطينية، بعد أن أدت السياسات الاحادية الطرف، التي انتهجتها السلطة مندفعة بجشع وخوف الى أوكار التنازل في تل ابيب، حتى أضحت جزءا من منظومة) احتلالية) تدار بواسطة (دايتون)ومن تبعه، فانقسم الوطن -عنوة -إلى :غزة والضفة، وأضحت غزة في عرف عباس وسلطته كيانا معاديا، وجاءت تصريحات الاجهزة الامنية صريحة- في لقاء مع القناة الاسرائيلية الثانية- حين أعلن مسلحون من فتح أن عدوهم الرئيسي ينحصر في حماس وحدها، بينما تسود علاقات ود ومصالحة مع الجانب (الصهيوني.

 لكن هذه الوحدة (الامنية)بين فتح / السلطة والاحتلال ( بعد ان شهد العام 2012 اعلى نسبة للتنسيق الامني بين الطرفين)، لم تسعف السلطة المتهالكة بضربات، أهمها :

• الازمة المالية الخانقة.

• انتصارات حماس في غزة.

• الربيع العربي.

• فشل مسار (أوسلو)، وتعذر العودة إلى الوحدة الوطنية، وانتفاء وجود برنامج سياسي وطني موحد وفق المقاومة بشتى أشكالها، وعدم قدرة السلطة على التخلي عن التنسيق الأمني مع الاحتلال.

• وتعذر انجاز المصالحة وتحول ملفها الى نكتة (سيزيفية) للاستهلاك الاعلامي لا أكثر ولا أقل.

والسلطة بدل أن تعترف بنهجها الخاطئ وتبادر الى حلول عملية واقعية اخذت تعلق فشلها على شماعة الاحتالال ، وتراهن على مستقبل غامض ،بل جعلتها تتمادى في التهالك، وتسعى سعيا حثيثا لحتف ابدي من خلال التمادي في الفساد والإصرار على النهج الفاشل الذي اثبت عقمه، فهذا صائب عريقات يقول في تصريح له عبر فلسطين برس نشر في 17/1/2013 يقول : " الأزمة المالية ليست نتاج سوء إدارة فلسطينية وإنما جاءت بسبب العقوبات الإسرائيلية والأمريكية المفروضة على الفلسطينيين وخاصة بعد التوجه للأمم المتحدة لنيل العضوية في المنظمة الدولية ".وأوضح أن السبب الرئيسي للأزمة يكمن في قرار الكونجرس الأمريكي إلغاء المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية إضافة لحجر إسرائيل لأموال الضرائب الفلسطينية.مع أن الوقائع على الارض تقول: إن السلطة هي المسئولة عن كل ذلك التدهور، والشلل في الحياة الفلسطينية، ولا نقصد بهذا تبرئة الاحتلال، بل نؤكد على ان ارتبط السلطة بالاحتلال هو الذي راكم هذا الإخفاق، وأنتج هذه الكوارث.

• السلطة الفلسطينية تدرك أن واقعها اصعب من أن تعالجه بانفعالية سطحيةK تعيد الى الذاكرة عصر التبجح والقعقعات الصاخبة بلا طحن أو ثمر ، فهي احيانا تهدد بإعلان دولة من طرف واحد، واحيانا تعلن أنها ستحل ذاتها وتسلم مفاتيح البيت ( لنتنياهو)، وفي أحايين كثيرة تزعم انها سائرة لانجاز ملف المصالحة.

• غير أن التلويح بالدولة الواحدة من جانب السلطة كخيارلا يمكن أن يقع دون قراءة عميقة للمشهد ووضع خطة فاعلة لاستراتيجيات ما بعد الخطوة الأولى. هذا إن كنا- فعلا - أمام قرار فاعل لا قعقعة إعلامية. ومن هنا، فإن هذا التلويح سيبقى قرارا سيئا،وليس حلاً جاداً مطروحاً للبحث.

• أما فكرة حل السلطة، فلئن كان ذلك حتمية يجب انجازها، فإن كلام عباس عن الية الحل يخفي ازمة واستهتارا، أزمة وصلت إلى حد الانتحار السياسي، واستهتارا وكأن فلسطين بقالة يملكها شيخ، ومن حقه أن يعبث بمصيرها كما يشاء،

ومن هنا وجدنا الكثير من القوى والفصائل الفلسطينية -مثل حركة حماس- رفضت هذا التوجه ورأت :أن"قراراً بهذا الخصوص يجب اتخاذه في إطار التشاور والتنسيق الوطني، من أجل دراسة سلبياته وإيجابياته والتوافق بشأنه، من دون أن يعني ذلك مسوغاً للتمسك بها"

وهنا نعود للتأكيد على أن العائق الأساسي والوحيد في كل ما يمكن أن تفعله السلطة سيرتبط جملة وتفصيلا في الملف الامني؛ لأن السلطة ليست سوى ملف امني، وفي هذا يرى"أبو مرزوق" بأن الخشية على المصالحة بسبب الملف الأمني"واقعية"، مؤكدا: أن هذا الملف جرى تأجيله منذ البداية"رغم التوافق على الأطروحات التي يعرضها الوسيط المصري فى هذا الشأن"

والواقع أن حالة الارباك التي تعيشها السلطة تكمن في هذا الملف لا غير .وهذا ما يفسر كافة التصريحات التي سوقت على أنها قرارات إستراتيجية ن لكنها مثقلة بالتناقض، فهي احيانا تاتي صاحبة ملفعة بمنطوق التهديد، ثم ترتد ممسوخة في ذل الاعتذار والتراجع، تتنقل بين"الحل"، و"الدولة الواحدة"، ومحاكمة الاحتلال الإسرائيلي دولياً. ولكنها بعد كل ذلك التناقض تعود لتؤكد التزامها باتفاقات السلام الميتة.

الوظيفة الأمنية التي انتهجتها السلطة جعلتها غير قادرة على إشراك الشعب الفلسطيني في عبثها الانزلاقي،فهي عين للاحتلال وعون له . وهي ضد شعبها وسياجا عليه . تكمن مهمتها في التشتيت والتفتيت لا البناء والإصلاح، فكيف يصلح أن نقول انها جادة في المصالحة . صحح أن المعطيات من حولها قد ترغمها على قبول ما يعرض ،إلا انها ستبقى جزءا من الاحتلال ولا مصالحة مع الاحتلال..

.وإذا كان البعض يرى ان " المتغيرات التي حدثت في الأجواء، وعلى الأرض تعطي الانطباع بالتفاؤل في ملف المصالحة الفلسطينية، وتوحي بأن أوان الكلام الجاد حول الموضوع قد حَلّ، إلا أن البنية التكوينية لسلطة ولدت من رحم الاحتلال وربيت على خدمته ن لا يمكن ان يوصل بينها وبين جسد شريف يتغذى على شهد الشهادة ويسمو بتضحيات لاكبار ن ان الشرعية التي بوأت المقاومة مكانة عالية في غزة جاءت من تضحيات ابطالها ؛ فأين شرعية عباس التي تؤهله أن يحصد ثمار جهده ، عباس وسياسته الاقتصادية المرهونة بالاحتلال أفقرت الشعب وجردته من كل أساب الحياة والقوة؛ فكيف يمد له حبل النجاة ليعيد انتاج التنازل ويعيد قبضة الامن التي دمرت الشعب وعصفت بهويته الو\نية وحققت تخوف الراحل ابي اياد حينما قال اخشى أن تتحول الخيانة وجهة نظر.

لقد أصبح يقيم في الضفة الغربية- الآن- 340 ألف إسرائيلي في المستوطنات التي تم بناؤها، أما القدس الشرقية التي يتردد ذكرها في خطب القيادة الفلسطينية باعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة فقد أصبح يقيم بها نحو مائتيْ ألف آخرين، يتوزعون على عشرة أحياء استيطانية تمت إقامتها تباعا. إلى غير ذلك من الخطى التي لا تدع مجالا للشك في أن ثمة قرارا إسرائيليا بشطب فكرة الدولة الفلسطينية من الأجندة الإسرائيلية. فعلام سيفاوض عباس، وهو في كل يوم يؤكد أن المفاوضات هل الاستراتيجية الوحيدة الباقية. وما الممكن حصوله من هذه المفاوضات والحال على ارض الواقع لا تبشر بما يزعم.

 أنا اقول لا مكان للمصالحة في ظل تناقض المشاريع ، وما لم تقم السلطة باسقاط (اوسلو)- اولا- والتحلل من كافة الشروط الملزمة لها أمنيا واقتصاديا، فإن المصالحة ستبقى حبرا على ورق ، وعلى حماس أن تدرك انها في وضع لا يسمح لها أن تتنازل لمشروع تنازلي، وإلا كانت مثل نظيرتها فتح ؛ فالفرق بين فتح وحماس هو في حفاظ حماس على الثوابت وتنازل فتح عنها، فإن تنازلت حماس لفتح، وأمدتها بالترياق الذي يمكنها من إعادة انتاج مشروعها الأمني أصبحت حماس شريكا في هذا التنازل مما يفقدها شرعيتها.

صحيح أن صمود غزة قد قلب المعادلة، وجعل حماس متحكمة في استراتيجيات المصالحة، مما يمنع الانتكاسة التي كانت تغلف هذا الملف في كافة جولاته، لكن الذي يجب ان يسار اليه تغير هذا التشكل السلطوي الى تشكل وطني قبل الشروع في زواج غير شرعي بين منهجين متناقضين

وبإمكان الدور المصري المفترض في المصالحة أن يضغط باتجاه وضع استراتيجيات هذا التشكل قبل الشروع في معالجة ملف المصالحة، وذلك بعزل السلطة الامنية، وتفعيل الدور السياسي الفلسطيني الباحث عن موقعية قوية، أي يعكس سيناريو العمل الذي كان يجري في عهد مبارك حينما كان ملف القض     ية الفلسطينية بيد عمر سليمان ن مما جعله ملفا خاصا بالوضح الحياتي لا اكثر ولا اقل ن أما الان فقد أن الاوان أن تعود القضية الفلسطينية الى مربعها المركزي كمحرك فاعل لسياسات المنطقة ، ومن هنا نرى ان المصالحة لا يجوز قبل أن يتم ما يلي:

 اولا: اطلاق الحريات في الضفة ، وإطلاق يد المقاومة لتحدث معادلة تمنع التهور الاسرائيلي في التهويد والاستيطان.

 ثانيا:حل السلطة الأمنية، وبناء سلطة فلسطينية في الخارج، لتمثل الشعب وإعلان فلسطين أرض محتلة، والعمل على تشكيل اطر داعمة للمقاومة، وتفعيل دور الدول العربية في دعم المقاومة.

ثالثا:عمل انتخابات عامة ،تشرف عليها جهات مختصة في الخارج والداخل لانتخاب ممثلين للشعب الفلسطيني، ثم اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بناء يتوافق مع التغيرات الجارية في المنطقة.

 رابعا وأخيرا :بعد ذلك يفتح ملف المصالحة لتوحيد الشعب، واختيار من يمثله بصدق، دون ان تكون المصالحة تراض بين فصيلين كما يجري الان.