ثورة على باب الله...

احمد الشامي

بحسب مصادر الاستخبارات الفرنسية، كانت لقطر "جهود مشكورة" هي والسعودية في تشكيل هيئة أركان "الجيش السوري الحر" الموحدة والتي استبعد منها بطريقة تخلو من اللباقة العقيد "رياض اﻷسعد" والعميد "مصطفى الشيخ" وحتى اللواء "محمد الحاج علي" وهم من أوائل المنشقين عن جيش اﻷسد. العميد "سليم ادريس" والذي أصبح فيما بعد "اللواء سليم ادريس" كان الرجل الذي توافق على اختياره كل من اﻷمير القطري والممول السعودي. السعودية وقطر اتفقتا على رجل مقبول من قبل "الإخوان المسلمين" وعلى أن يتم تهميش الضباط الباقين لأنهم "علمانيون" زيادة عن اللزوم ولترددهم في نقل قيادة العمليات إلى الداخل السوري.

من أجل دعم جهود العميد "سليم ادريس" ومساعدته على توحيد الفصائل المقاتلة تحت أمرته، وهو هدف جليل في حد ذاته، قدم أمير قطر للعميد "سليم" في أوائل شهر تشرين الثاني 2012 مبلغ ثمانية ملايين دولار أمريكي لكي يستطيع توفير المؤن والعتاد للوحدات المقاتلة ولكي يتمكن من جمع بعض قادة الوحدات في مؤتمر "انطاليا" في 6 و 7 كانون الأول الماضي وٳقناع ال 263 مشاركاً في المؤتمر بالعمل تحت أمرته. المؤتمر الذي عقد بتمويل سعودي قطري بحضور الأتراك وممثلين عن الأردن وعن الدول الغربية بما فيها أمريكا، تم فيه استبعاد الضباط "المغضوب عليهم" وانتخاب العميد "سليم ادريس".

هذا لا ينتقص من كفاءة ونزاهة الرجل الذي يجوز له البحث عن تمويل الجيش الحر و لديه الحق في التعاطف مع الإخوان المسلمين، ففي وضع سوريا الراهن سيكون أسوأ حكم اخواني "ديمقراطي" أفضل ألف مرة من "هولاكو" العصر.

قد يقول قائل "ما الضرر في تقديم دعم مادي لرجل قريب فكرياً من الممولين وقادر على توحيد فصائل الجيش الحر؟". المشكلة هي في تفاهة المبلغ وخاصة حين نقارنه بما قدمه ٳخوتنا القطريون لبشار بالذات، قبل الثورة، على شكل هبات واستثمارات قيمتها تتجاوز خمسة مليارات دولار!!

اﻹخوة القطريون يوزعون مساعداتهم بالعدل والقسطاس وبالتقتير المريح. اﻷمير ومستشاره "عزمي بشارة" يدعمون الوجوه العلمانية في المجلس الوطني ثم في الائتلاف المعارض ولكن "من طرف الجيبة"، في حين تقدم المخابرات القطرية دعماً محدوداً لجماعات مقاتلة قريبة من اﻷخوان المسلمين...هكذا يرضى الاثنان بالقليل أما باقي الثوار والشعب السوري الجائع والبردان "فلهم الله".

ٳخوتنا السعوديون "لايقصرون" وحالهم كحال القطريين مع اختلاف في سكك التوزيع، فالسعوديون، مثل اﻷتراك، لايريدون ٳمداد الثوار بالسلاح خاصة النوعي، خوف ٳغضاب السيد اﻷمريكي وهم يقدمون "الصدقات" على شكل عطايا لشيوخ العشائر والقبائل بمعدل 200 ألف دولار بالشهر لكل منهم، يتصرفون فيها "بمعرفتهم".

العاصفة الثلجية اﻷخيرة استنفرت همم "خادم الحرمين" الذي تبرع بمبلغ عشرة ملايين دولار للنازحين السوريين، بما يعادل عشرة دولارات لكل لاجئ خارج سوريا أو دولارين لكل سوري نازح. للمقارنة، فأربعون من المليارديرات اﻷمريكيين تبرعوا عام 2010 بنصف ثرواتهم لصالح اﻷعمال الخيرية، ليس في أمريكا فحسب بل في العالم أجمع فيما يخص مؤسسة "بيل ومليندا غيتس" الخيرية. مؤسس "ميكروسوفت" تبرع بما لايقل عن ثلاثين مليار، نعم مليار وليس مليون دولار، للمعوزين في أمريكا دون أن تعاني الولايات المتحدة لا من حروب ولا من كوارث. "وارين بوفيت" الملياردير اﻷمريكي اليهودي حاز قصب السبق وتبرع بأكثر من 85 في المئة من ثروته البالغة 47 مليار دولار للأعمال الخيرية ولصالح مواطنيه أياً تكن ديانتهم.

الكويتيون تفضلوا علينا برفع الحظر على التأشيرات المعطاة للسوريين لدخول جنة الكويت أما اﻹخوة اﻹماراتيون فٳنهم لا يريدون ٳغضاب ٳيران التي تحتل جزرهم الثلاث، ربما كي لاتكمل ٳيران فعلتها وتحتل باقي اﻹمارات، مع ذلك، تجرأ هؤلاء وتبرعوا بخمسة ملايين دولار للاجئين السوريين. معهم حق اﻹماراتيون، فبعدما أنفقوا أربعين مليون دولار على اﻷلعاب النارية في عيد رأس السنة "الوثني" في مدينة دبي لم يبق لديهم الكثير ليقدموه ﻷشقائهم السوريين. كنا نتمنى لو قدم هؤلاء مبلغ اﻷربعين مليون دولار للجيش الحر وجاؤوا للشام ليروا "شخصياً" اﻷلعاب النارية الحقيقية هذه المرة والتي سيصبها الجيش الحر على قصر اﻷسد...

لانستطيع أن نعتب على النظام اﻷردني فالمملكة الهاشمية بلد فقير بالكاد يؤمن قوت شعبه، لكننا نعتب على أخوتنا اﻷردنيين ونرجوهم فتح بيوتهم للاجئين، على اﻷقل خلال فصل الشتاء البارد، غرفة واحدة في كل منزل أردني لكل عائلة سورية في العراء...هذا ما فعله السوريون حين جاءهم اللبنانيون، ثم العراقيون، فارين من جحيم الحروب في بلادهم.

حكومة الرئيس "ميقاتي" قد اختارت "النأي بنفسها" عن عذابات السوريين أينما كانوا، لكن هذا "النأي بالنفس" لا ينطبق على صلاتها الوثيقة مع عصابة اﻷسد في دمشق بما يجعلها هي وحزب "نصر الله" شركاء لهذه العصابة في ٳجرامها بحق السوريين.

ٳيران من جهتها تسخر نفوذها لدى الطائفي "نوري المالكي" كي يدعم نظام بشار بالمال والرجال. "الولي الفقيه" ليس لديه أي مشكلة في تقديم الرجال والعتاد ومبلغ عشرة مليارات دولار كدفعة على الحساب لرجله في دمشق "الدرويش" بشار والرابض مع عصابته على اقتصاد سوريا بالكامل وعلى رصيد نقدي من العملات الصعبة يعادل 22 مليار دولار وواردات نفطية تذهب مباشرة لميزانية القصر الجمهوري، عدا عن "مليارات " بشار الشخصية والعائلية "المتأتية عن عمل دؤوب وعن جهود في توفير رواتبه الخاصة ورواتب أبيه من قبله...".

قمة الدناءة أتت من امبراطورية الحزب الشيوعي الصيني والتي تبرعت للاجئين السوريين بمبلغ خمسين ألف دولار عداً ونقداً...نقترح على الثوار السوريين تحويلها مباشرة "للدالاي لاما" كمساهمة من الثورة السورية في دعم حق شعب "التيبت" المسحوق في تقرير مصيره.

اﻷتراك محشورون بين سندان الرئيس اﻷسمر المتواطئ مع نظام اﻷسد ومطرقة الرئيس "بوتين" الجشع والمتحالف مع أشباهه من شبيحة دمشق. اﻷتراك يتعرضون لضغوطات هائلة من قبل اﻹدارة اﻷمريكية لمنعهم من تمرير السلاح النوعي ٳلى الثوار السوريين. وصل اﻷمر بالعم سام لدرجة التوافق مع الروس على آلية غير مسبوقة لضبط دخول اﻷسلحة ٳلى سوريا.

لكي لا "يطلع الروس من المولد بلا حمّص" فرض اﻷمريكيون على "مكتب اتصال الثورة" القائم في تركيا التعامل حصراً مع "مافيات" روسية سمح لها اﻷمريكيون بالقدوم خصيصاً لهذا الغرض ووضعوا لائحة باﻷسلحة والذخائر"المسموح" ببيعها للثوار السوريين وهي كلها أسلحة "خردة" من نفايات المصانع الروسية. مع ذلك، تمكن الثوار من الحصول على بعض اﻷسلحة النوعية من مصادر مبهمة، يروج البعض أنها قادمة من أفغانستان، رغم أنف اﻷمريكيين وغصباً عن اﻷتراك. من بين هذه اﻷسلحة هناك صواريخ أرض جو هي التي أسقطت طائرات اﻷسد.

السوريون كانوا يتوقعون من اﻷنظمة العربية التي جاءت ٳثر الربيع العربي أن تتفهم آمالهم وأن تساندهم. باستثناء اﻷخوة الليبيين الذين قدموا على قدر ٳمكاناتهم، جاء الدور المصري باهتاً ومخيباً للآمال وبعيداً عن تلبية تطلعات السوريين، حتى هذه اللحظة لم يستلم الائتلاف الوطني أي سفارة سورية خارج "طرابلس الغرب".

على عكس "التقتير" الذي يتعامل به اﻷشقاء العرب مع السوريين والجيش الحر، تنهال اﻷموال الخليجية خصوصاً على التنظيمات المتطرفة والتكفيرية كجبهة النصرة وأشباهها... لكن لهذا حديث آخر.

في التقييم اﻷخير، يتجلى ٳعجاز الثورة السورية في أنها لازالت قائمة، على عكس ما يتمنى "أصدقاؤها"...كم أصاب السوريون حين يقولون "ياالله مالنا غيرك يا الله..".