الثابت والمتقلب

د. هشام رزوق

في نظرة سريعة لمواقف مختلف القوى المحلية والإقليمية والدولية من مجريات الأحداث التي مرت على سورية منذ بداية الانتفاضة الشعبية في الخامس عشر من آذار 2011 وحتى الآن، فإننا نستخلص وجود موقفين أحدهما ثابت والآخر متحول ومتقلب.

الموقف الثابت هو موقف القوى والمنظمات والدول الحليفة للنظام. فبعد عامين من المواجهة التي بدأت بمظاهرات سلمية وانتهت إلى ماهي عليه من مواجهات مسلحة يستخدم فيها النظام كل آلته العسكرية الجهنمية، ورغم عشرات آلاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى والمعتقلين والمهجرين ورغم كل المجازر الوحشية والطائفية ورغم تدمير القرى والأحياء والمدن ورغم تدمير البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، رغم كل ذلك فإن القوى المحسوبة على الخط اليساري والقومي في المحيط العربي وكذلك موقف إيران وروسيا والصين ودول في أمريكا اللاتينية لم تتراجع في دعمها لهذا النظام، وكانت منذ البداية وحتى الآن تدعمه سياسيا وإعلاميا وماديا وعسكريا وبكل الوسائل مما أتاح ويتيح له إمكانية الاستمرار في حربه ضد الشعب الثائر، كما أن تلك القوى الداعمة للنظام لم تغير رؤيتها للصراع ولكيفية حله .

أما مواقف القوى والدول التي دعمت الانتفاضة منذ البداية، وأخص منها بالذكر مواقف بعض الدول العربية الخليجية وتركيا، إضافة إلى مواقف الدول الأوربية وأمريكا، فلقد امتازت بالتذبذب والتغير والتناقض أحيانا. لقد سمعنا الكثيرعن دعم الانتفاضة، ثم دعم الثورة، سمعنا الكثير عن عدم السماح للنظام بارتكاب مجازر كما حدث في حماه عام 82 وسمعنا دعوات كثيرة تطالب بشار بالتنحي، وسمعنا كثيرا عن أن أيام النظام معدودة وأن المسألة مسألة وقت (أسابيع على اكثر تقدير). كان الدعم في البداية للمجلس الوطني ثم تم التراجع عنه ، كان في البداية دعم لبعض الضباط المنشقين مثل رياض الأسعد ثم لم نعد نسمع عنه شيئا، مرة نسمع عن وعود بتسليح الجيش الحر وأخرى تمنع عنه السلاح بحجة الخوف من وقوعه بأيدي الجماعات الإرهابية. اجتمع (أصدقاء الشعب السوري) أكثر من مرة وسمعنا كلاما كثيرا عن الدعم المادي والإغاثي والدبلوماسي والسياسي والعسكري، وبقي الكلام فقاعات هواء لم تغير كثيرا في منحى الأحداث، تحولت القضية إلى دعم إنساني للاجئين المشردين في المخيمات التركية والأردنية والعراقية واللبنانية وكأن المشكلة الأساسية هي مشكلة اللاجئين وليس سبب اللجوء هذا.

تناقضت التصريحات والمواقف حتى تفاقمت الأمور في الداخل السوري ودخلت قوى وتنظيمات وأموال كل يريد جر الثورة إلى الملعب الذي يريد دون النظر لحجم الكارثة التي تحل بالشعب السوري وبمؤسسات الدولة وبنيتها واقتصادها ولا بما يتهدد نسيج المجتمع من تفكك على أساس طائفي وعرقي ومذهبي.

لسنا ندري الآن مقدار الدعم للائتلاف الوطني المشكل أخيرا ولا مدى الدعم للمجالس العسكرية ولا مدى التسليح بما يوفر للثورة فرصة المواجهة والحسم إلا أن الشيء المؤكد هو أن أنصار الأسد ومؤيديه وداعميه هم أكثر إخلاصا وصدقا معه من أصدقاء الشعب السوري ومن يعتبرون أنفسهم في المعسكر المعادي له، وهذا ما يؤدي إلى إطالة معاناة الشعب السوري وتأخير انتصاره.