إلى أي مدى يتعاون التحالف الدولي مع النظام السوري

حول مقابلة الأسد مع البي بي سي

إلى أي مدى يتعاون التحالف الدولي

مع النظام السوري

م. عبد الله زيزان

باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حواراً مع بشار الأسد الثلاثاء 10 من شباط الحالي، حمل إلى جانب الكثير من الأكاذيب معلومة هامة لا ينبغي بحال تجاهلها، بل لا بد من تسليط الضوء عليها لرسم صورة أكثر وضوحاً لخارطة أصدقاء وأعداء الشعب السوري...

ابتداءً لن نرهق أنفسنا كثيراً بتحليل الأكاذيب التي أوردها الأسد في ذلك الحوار التي بلغت مستوى قياسياً يثير الاشمئزاز، إلا أننا سنمر عليها مروراً سريعاً، حيث كان من اللافت القدرة العجيبة لدى هذا الشخص بإنكار الواقع، والتنصل من المسؤولية، ونفي ما عُلم بالضرورة لدى العالم أجمع، فقد صُدم الكثيرون بنفي وجود البراميل المتفجرة، حيث قال: "لم أسمع باستخدام الجيش للبراميل"، فهو إلى جانب إنكاره لاستخدام هذا السلاح الفتاك، استخدم عبارة "لم أسمع"، وهو ما يشير من جانب آخر إلى أنه لا يملك زمام الأمر، وهو الواقع على كل حال...

تنسيق التحالف مع النظام السوري

المعلومة المهمة وربما الوحيدة في لقاء الأسد الأخير هو حديثه عن المعلومات التي تصله حول غارات التحالف على مواقع تنظيم البغدادي من أطراف ثالثة، الحكومة العراقية إحداها، وهو أول إقرار رسمي بالتنسيق ما بين التحالف الدولي والنظام السوري، حتى لو أكد الأسد أنّ ذلك التنسيق لم يكن بصورة مباشرة من التحالف، وهو ما يثير تساؤلات عديدة حول جدية الغرب في الحديث عن ضرورة تنحي الأسد عن السلطة..

ربما لم يفاجأ السوريون كثيراً بتلك التصريحات، فمع مرور الوقت تتضح الصورة بشكل أكثر جلاءً أنّ هذا النظام مدعوم غربياً، وأنّ ما يسمى بأصدقاء الشعب السوري ليسوا أكثر من مدعيين كاذبين، يحاولون تجميل صورتهم القبيحة بدعمهم لمجرمي الحرب في دمشق بصورة مباشرة أو غير مباشرة...

إنّ حديث الإدارة الأمريكية والتلميحات الغربية الخجولة عن ارتباط تنظيم البغدادي بالنظام السوري لم يتجاوز ألسنة المتحدثين والناطقين الرسميين، حيث نجد التجييش الإعلامي يستهدف تنظيم البغدادي وحده دون الإشارة لمن ساعد هذا التنظيم في البقاء والتمدد، ودون الحديث عن جرائم هذا التنظيم بقتل قيادات الجيش الحر تحت مسميات مختلفة، وبتهم الردة والكفر الجاهزة لكل من يريدون تصفيته، والغريب أن الصفة العامة المشتركة في أغلب ضحايا ذلك التنظيم هو العداء للنظام السوري...

التنسيق مع الحكومة العراقية:

لم يحاول الأسد في مقابلته الأخيرة إخفاء الدعم العراقي له، بل تحدث بوضوح حول تلقيه المعلومات من خلال الحكومة هناك، ولا يخفى على أحد تبعية الحكومة للإدارة الأمريكية من جهة وإيران من جهة أخرى، وهو ما يشير إلى رضىً أمريكي حول ما تقوم به هذه الحكومة من تصرفات تتناقض بشكل واضح مع التصريحات الأمريكية، ما يؤكد أنّ التصريحات الأمريكية للاستهلاك "العربي" لا أكثر...

والمهم أيضاً في هذا الجانب هو تبيان العداء الكامل الذي يحمله النظام العراقي الجديد للشعب السوري، فهو لم يكتف بدعم النظام السوري من خلال الميليشيات الطائفية التي تسهل الحكومة العراقية انتقالها إلى سورية، بل زادوا على ذلك بأخذهم على عاتقهم لعب دور الوسيط ما بين التحالف الدولي والنظام السوري، لاستكمال تدمير البلاد والعباد...

موقف التحالف من التنسيق:

حاولت المنظومة الغربية على مدى سنوات الثورة الأربع تصوير موقفهم بالمناهض للنظام السوري، فقد أكثروا من الحديث بأنّ النظام فقد شرعيته، وأنّ عليه الرحيل، وقد جيّشوا الإعلام مدة من الزمن حين استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وبدأوا بتحريك الأساطيل، التي سرعان ما تراجعت حين أذعن النظام بتسليم أداة القتل، وقد تبين لاحقاً أنّ ما سلّمه لا يمثل إلا القليل مما يملتكه..

إنّ تأكيد الأسد عن تلقيه المعلومات عن ضربات التحالف الدولي في سورية، ينسف الجهود الغربية بتصوير موقفهم "المعادي" لنظام الأسد، بل ويضع مصداقيتهم أمام شعوبهم على المحك، فلم يجد الأسد حرجاً من فضح تلك الخيوط، إدراكاً منه أنّه لا زال البيدق الأهم لدى المجتمع الدولي...

وهذا يضع الغرب أمام مسؤولياته "الأخلاقية"، فإذا أرادوا استرجاع شيء من مصداقيتهم أمام شعوب المنطقة فعليهم أن يثبوا بالأفعال لا بالأقوال صدق ادعاءاتهم بحماية حقوق الإنسان، وهنا أقصد الإنسان العربي وليس الغربي فقط، وهذا لا يكون إلا بوقف الدعم الخفي للنظام السوري، ليتسنى للثوار إتمام إسقاطه بكل أركانه وأجهزته الأمنية مما يغلق الباب أمام عودته بثورة مضادة كما حدث في أغلب دول الربيع العربي...